اعمال موجهة السنة الثانية جذع مشترك مقياس قانون الاجراءات الجزائية الفوجين 01 و03
مقدمة:
يعد قانون العقوبات من أهم القوانين التي تستعين بها الدولة في فرض الانضباط والأمن داخل المجتمع، على اعتباره القانون المتضمن لأشد أنواع الجزاءات القانونية وأكثرها لتحقيق فكرة الدرع العام قبل الردع الخاص. وكانت لهذا القانون ذات الأهمية حتى قبل ظهور الدولة، باعتباره من أقدم فروع القانون والذي وجد مع وجود الجماعات البشرية الأولى، وصاحب مختلف مراحل تطورها، وبذلك اتسم في كل مرة بسمات المرحلة التي تطبع النظام المتبع في المجتمع، بجوانبه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، حيث في كل مرة كانت تجد فيه الجماعات المكلفة بالحكم – أيا كان نوعها- الوسيلة المثلى لفرض سياستها وأهدافها، وكذا الحفاظ على مصالحها. والسبب الذي جعل هذا الفرع القانوني الهام يحتل مثل هذه المكانة، ومثل هذه الدرجة من الأهمية، راجع بالأساس إلى الجزاء الذي تتضمنه قواعده، باعتبارها جزاءات تصيب الشخص المكلف في حياته أو حريته، وأقلها أن تصيبه في ماله، وبذلك كانت عبارة عن وسائل قهر وإلزام وردع، ووسيلة في يد السلطة الحاكمة في فرض رؤاها في كيفية سير الأفراد والجماعات. وعلى إثر ذلك ضم هذا الفرع القانوني في ثناياه نوعين من الأحكام، أحكام تجريمية وأخرى عقابية، وأن دراسته دراسة وافية تقتضي الإلمام بهما معا، بالنظر للتلازم الموجود بين النوعين أو الشقين من الأحكام. وبهذا فإنه من البديهي أن دراسة القانون الجنائي العام، تقتضي دراسة النظرية العامة للتجريم والنظرية العامة للجزاء( الجريمة والجزاء)، وهي المسألة الأولى التي تعطي لقانون العقوبات خاصته الأولى المتمثلة في تضمنه لعلمين، هما علم الإجرام وعلم العقاب، الذي يستدعي في كرة مرة الإلمام بالعلوم الجنائية لفهم أبعاد القانون الجنائي. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، تطبيق القانون الجنائي يستدعي نوعا آخر مخالف تماما للقواعد السابقة، التي تعد في جوهرها قواعد موضوعية، وهذا النوع الآخر هو القواعد الإجرائية، والتي تشكل في ذاتها فرعا قانونيا آخرا، وهو قانون الإجراءات الجنائية مع ما يتسم به من خصوصيات، وما يحكمه من مبادئ، والذي يعد وسيلة تفعيل وتطبيق القانون الجنائي بشقيه العام والخاص، والذي بدونه لا مجال للحديث عن دور وأهمية القسم العام، وهذا الأمر يجعلنا أمام مشكلة أخرى، وهي أن دراسة هذا الفرع القانوني في قسمه العام يقود بداهة لدراسة جوانبه الإجرائية، الأمر الذي يزيد دراستنا تشعبا وتوسعا. ويجعل الدارس والمدرس لهذا الفرع القانوني أمام ثلاثة فروع قانونية، النظرية العامة للجريمة، النظرية العامة للجزاء، وقانون الإجراءات الجزائية. والأكثر من ذلك، الفروع الثلاثة السابقة تستعدي أيضا الإحاطة بفرع قانوني آخر يتعلق بنظرية تنفيذ الجزاء، وهو المحكوم في الجزائر بقانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين، والموضع السليم لدرسته هو النظرية العامة للجزاء الجنائي.
والغريب في الأمر أن دراسة هذه الفروع في مجملها مقررة لطلبة السنة الثانية، في حين القسم الخاص للقانون الجنائي – وفي جزء منه فقط- مقرر لطلبة السنة الثالثة، وهي مسألة نرى وجوب إعادة النظر فيها. غير أن ذلك لا يمنعنا من محاولة تقديم هذه المحاضرات بنوع من الشرح والتفصيل، معتمدين أسلوبا نتجنب من خلاله التفصيل الممل وكذا الاختصار المخل، خدمة وإعانة للطالب في استيعابه لمضامين وأبعاد هذا الفرع القانوني الهام من فروع القانون، ونخصص هذه المطبوعة أولا للنظرية العامة للجريمة والتي لا غنى فيها عن تناول الأحكام العامة لقانون العقوبات ذاته، لنتبعها – بعون الله- بمطبوعة أخرى نخصصها للنظرية العامة للجزاء الجنائي، وثالثة نخصصها للشرح أحكام قانون الإجراءات الجزائية، علها تكون عونا مفيدا لطالب السنة الثانية حقوق.
هذا وننبه مسبقا، بأننا سنعمد وفي كثير من الأحيان، إلى الإشارة للخلاف الفقهي الذي قد يشوب فكرة من أفكار هذا القانون في هوامش هذه الدراسة، والتي ننصح في كل مرة الاطلاع عليها وأخذ فكرة عنها، على اعتبار متن الموضوع يخصص فقط لما استقر عليه الفقه في الغالب، أو لما تبناه التشريع المعاصر، مركزين على القانون الجزائري والإشارة في كل مرة تقضي فيه المسألة ذلكن إلى القانون المقارن. كما نشير في آخر الدراسة إلى أهم المراجع المعتمد عليها في إعداد هذه المحاضرات، دون إدراجها في موضعها على النحو الذي يقتضيه إعداد البحوث الأكاديمية، وذلك تقتضيه ظروف أخرى متعلقة بحقوق التأليف، لا إهمالا للجوانب المنهجية والشكلية في إعداد البحوث والدراسات.
وسنتناول هذه الدراسة من خلال بابين أساسيين، نتناول في الأول النظرية العامة للجريمة، لنتناول في الثاني النظرية العامة للمسؤولية الجنائية، على أن نسبق كل ذلك بباب تمهيدي نتناول فيه الأحكام العامة لقانون العقوبات ذاته، ونعنونه بمعالم قانون العقوبات. وننبه مسبقا بأن قد يكون هناك اختلال في توازن البابين، على أساس أننا فضلنا تخصيص مطبوعة لنظرية الجزاء، في حين غالبية الفقه يتناولها في إطار نظرية المسؤولية الجنائية، لكن الفائدة الموضوعية المتوخاة من إعداد هذه المطبوعة، تتجاوز بكثير الفائدة المحققة من مراعاة الجوانب الشكلية. هذا ولا يفوتنا أن نتمنى أن تكون هذه المطبوعة عونا علميا لطلبتنا الأعزاء في دراستهم للمادة خلال هذه السنة، وعونا مفيدا في مشاريعهم العلمية المستقبلية.
الفصل التمهيدي:
ماهية القانون الجزائي وتطوره التاريخي.
الفصل التمهيدي:التطور التاريخي للقانون الجزائي وماهيته.
قانون العقوبات من القوانين التي تجسد بها الدول الحماية القانونية لمصالحها ومصالح المجتمع الأساسية والجوهرية، والتي تكفل الأمن والسكينة والاستقرار لكافة أفراد هذا المجتمع، وإقامة العدل بين أفراده، وهو بذلك ضرورة وحتمية لكل مجتمع أيا كان توجهه وطرق حكمه وتسييره، على اعتبار الجريمة سلوك إنساني ملازم للمجتمعات في كل مكان وفي كل زمان، لذا نجد قانون العقوبات لازم التطور البشري، وعايش تحولاته الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، الأمر الذي انعكس على تسميته وتحديد معناه وتبيان محتواه، وحصر العلاقة الموجودة بينه وبين مختلف الفروع القانونية الأخرى، تبعا للتطورات التي عرفها هذا القانون.
المبحث الأول: مفهوم القانون الجزائي وعلاقته بالقوانين الأخرى.
يتفق الفقه الجنائي حول مضمون قواعد قانون العقوبات وخصائصه وأهدافه، غير أنه يختلف حول تسميته وتعريفه وعلاقته بمختلف الفروع القانونية الأخرى، وتبعا لذلك حول تحديد طبيعته غير أننا سنقتصر دراستنا في هذا المبحث على مطلبين، خصص الأول لتعريف القانون الجزائي، والثاني لمكانته وعلاقته مع القوانين الأخرى.
المطلب الأول: مفهوم القانون الجزائي.
قبل التطرق للتعريفات التي أعطيت للقانون الجزائي، والاختلاف الفقهي الكبير في ذلك، نشير بأن الخلاف انصب أولا حول تحديد تسمية هذا القانون، لكن دون أن ينعكس ذلك على تحديد محتوى ومضمون هذا القانون، وهو الأمر الذي سنبينه فيما سيأتي.
الفرع الأول: تعريف القانون الجزائي.
هو فرع من فروع القانون العام، موضوعه دراسة ما تسنه الدولة من أحكام لتجريم وقمع السلوكيات التي من شأنها إحداث اضطراب في المجتمع[1]، ويقصد بقانون العقوبات مجموعة القواعد الأساسية والمبادئ العامة التي تحكم الجرائم والعقوبات وتدابير الأمن؛ إلى جانب مجموعة القواعد القانونية التي تبين الجرائم وما يقرر أو يقابلها من عقوبات أو تدابير أمن، ويحدد قواعد المسؤولية والعقاب على السلوكيات التي يأتيها الإنسان[2]، فهو يشمل نوعين من الأحكام الموضوعية : الأولى أحكام عامة تبين القواعد العامة التي تحكم التجريم والعقاب وتسري على كل الجرائم والعقوبات - أو أغلبها – وعلى التدابير ويسمى القسم العام، والثانية، أحكام خاصة وتشمل بيان الجرائم بمفرداتها أو كل جريمة على حدا، وأركان كل منها والظروف الخاصة بها والعقوبات المقررة لها ويسمى القسم الخاص، وقد درج الفقه على دراسة كل قسم على حدا باعتبار أن القسم الخاص ما هو إلا تطبيق للأحكام والنظريات التي يتضمنها القسم العام[3].
ومن ناحية ثانية، يتحدد المضمون القانوني لقانون العقوبات، في كونه وبالإضافة إلى احتواءه لقسم عام وآخر خاص، أن هناك قوانين عقابية تكميلية وأخرى خاصة.
فقانون العقوبات التكميلي يجد علته في كون القسم الخاص من قانون العقوبات لا يتضمن كل الجرائم التي قررها المشرع، فهناك عدد كبير من الجرائم نصت عليها قوانين أخرى مستقلة، مثل قانون المنافسة والأسعار وقانون الصحة والقانون الجمركي ...وهي مجموعة القوانين التي يطلق عليها مصطلح قانون العقوبات التكميلي أو القوانين الملحقة بقانون العقوبات، مما يستتبع بالضرورة خضوعها للأحكام العامة المتضمنة بالقسم العام لقانون العقوبات، ولجوء المشرع إلى هذه الطريقة المتمثلة في التجريم والعقاب بموجب نصوص قانونية مستقلة؛ يجد أساسه في عدم قدرته على حصر كل الجرائم في موضوع واحد هو قانون العقوبات، خاصةً إذا كانت هذه الجرائم تحمي مصالح متغيرة أو طارئة تخضع للتعديل والتغيير كلما دعت الضرورة لذلك، في حين أن قانون العقوبات يتسم بالاستقرار النسبي، لذا فهو يجرم في العادة الأفعال الشائنة والمستهجنة في المجتمع في كل وقت من الأوقات ولا يتدخل إلا في حال تغيرات اقتصادية أو اجتماعية أو علمية حديثة توجب إلغاء بعض الجرائم أو إدراج البعض الآخر.
وأما قوانين العقابية الخاصة، فهي
حسب الفقه طائفة ثالثة من الجرائم، والتي يتم النص عليها في قوانين خاصة، اصطلح
على تسميتها بقوانين العقوبات الخاصة، منها قانون العقوبات العسكري وقانون
العقوبات الاقتصادي وقانون العقوبات التجاري. وأصبحنا نسمع بقانون العقوبات
الإداري وقانون الجنائي الدستوري... وهي كلها قوانين تحمي مصالح تتميز بطابع خاص
يبرر إخضاعها لقواعد قانونية خاصة، سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية
الإجرائية، كونها تخضع لبعض الأحكام التي قد تختلف كلية
أو جزئيا عن الأحكام العامة الموضوعية والإجرائية، لكن العلاقة بينهما تظل قائمة
ويجب الرجوع للأحكام العامة في كل حالة لم يرد بشأنها نص في هذه القوانين الجنائية
الخاصة، تطبيقاً لقاعدة الخاص يقيد العام. ولتجنب الخلط بين القوانين الجنائية
الخاصة والقوانين التكميلية لقانون العقوبات العام، يدرج الفقه الفرقين الأساسيين
التاليين:
1- القوانين المكملة لقانون العقوبات، تحمي مصالح من ذات نوع وطبيعة المصالح المحمية بموجب القسم الخاص من قانون العقوبات، مما لا يجيز الخروج بشأنها عن الأحكام العامة المنصوص عليها بالقسم العام لقانون العقوبات، في حين تحمي قوانين العقوبات الخاصة مصالح وحقوق تتميز بطبيعة خاصة تستوجب الخروج نوعا ما (بصفة كلية أو بصفة جزئية) عن الأحكام العامة لقانون العقوبات سواء في قسمه الموضوعي أو في قسمه الإجرائي .
2- الجرائم المنصوص عليها في قوانين العقوبات التكميلية، تخضع بحسب الأصل للأحكام العامة الواردة بالقسم العام لقانون العقوبات، إلا إذا نص فيها على ما يخالف ذلك، أما قوانين العقوبات الخاصة فتضُم أحكامها الموضوعية والإجرائية الخاصة بها، ولا يرجع فيها إلى الأحكام العامة إلا في الحالات التي لا يرد فيها نص خاص.
والملاحظ أن هذا القانون يضم الجرائم والعقوبات المقررة لها، ولذا فقد سمي قانون العقوبات وذلك من قبيل تسمية الكل باسم البعض، فكل جريمة تقابلها عقوبة[4]، والعقوبة تميز قواعد هذا القانون[5]، لكن هذه التسمية لم تحظ بإجماع الفقهاء بحجة أنها قاصرة على استيعاب مضمون هذا القانون إذ تقتصر على العقوبات دون الجرائم أو التدابير[6]، فمن الفقهاء من فضل اسم القانون الجنائي، فقد قال الدكتور مصطفى العوجي أن مصطلح القانون الجنائي تسمية تعكس اصطلاحاً فكرة التجريم والعقاب، فالعمل الجنائي يستتبع حتماً عقاباً[7]، فيما يعتبر مصطلح قانون العقوبات تسمية تعكس فكرة الجزاء "العقاب" دون التجريم؛ وإن كان من المسلم بأن لا جزاء بدون تجريم[8]. وباعتبار أن هذا القانون قانون الجرائم والجناية التي يشتق منها هذا الاسم هي أهم الجرائم وأخطرها، وباعتبار أن هذه التسمية تشمل نظام التدابير باعتباره نظاماً جنائياً لا جدال فيه[9].
ألا أن هذه التسمية لم تسلم من النقد على اعتبار أنها قاصرة على استيعاب مضمون هذا القانون؛ وذلك لاستبعادها العقوبات من جهة، ولأن الجناية هي نوع من الجرائم وليست كل الجرائم، إضافةً إلى أنه قد يتبادر إلى البعض أن مصطلح القانون الجنائي يخلق التباساً في الذهن حول تخصيص القانون بالجنايات دون الجنح والمخالفات، لكن هذا الالتباس يزول عندما نعلم أن أنظمة محددة (الجزائر مثلاً) قد اعتمدت على هذا التمييز؛ بينما معظمها ابتعدت عنه؛ أي عن هذا التمييز.
بينما الدكتور محمود محمود مصطفى اعتمد مصطلح قانون العقوبات واستبعد مصطلح القانون الجنائي لأنه لا يفي بالغرض إذ يدل على نوع واحد من الجرائم ألا وهي الجنايات، وهذا المصطلح نشأ في اليونان حينما كانت الجنايات وحدها من جرائم القانون العام؛ أما الجنح والمخالفات فكانت من جرائم القانون الخاص. وأضاف رداً على ما قد يوجه إليه من نقد من حيث كون مصطلح قانون العقوبات لا يشمل التدابير الاحترازية (الأمنية) وأن هذه التدابير لا تختلف على العقوبات في شيء.
إن كان للمصطلحين مزايا وعيوب فإن مصطلح القانون الجنائي أقرب لغة وقانوناً إلى المصطلح الفرنسي droit pénal من مصطلح قانون العقوبات الذي يدل على code pénal وهو مجموعة القواعد التي تحدد الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها والأشخاص الذين يسألون عنها[10]. وهناك مصطلح القانون الجزائي droit sanctionnel والذي سنأتي على تفصيله. والملاحظ أن تعدد هذه التسميات لا يعني اختلافاً في مضامين كل منها بقدر ما يمثل ممارسة فقهية.
ومصطلح "القانون الجنائي" هو المصطلح المفضل لدى بعض الفقهاء ألا أن هناك اتجاه ثالث يرى أن نطلق على هذا القانون مصطلح "القانون الجزائي" باعتبار أن الجزاء يتسع ليشمل فكرة العقوبة والتدابير؛ وكذا لأنه ملازم لكل جريمة[11].
ألا أن هذه التسمية لم تسلم من النقد لأنها تفتقر إلى الدقة وفضفاضة، كما أنها تُدخل في هذا الفرع من القانون ما ليس منه لأنها تتسع لتشمل الجزاء بجميع أنواعه من جزاء جنائي، ومدني، وإداري. يضاف إلى ذلك أن لفظ الجزاء يفيد لغةً إما الثواب أو العقاب، إضافةً إلى أن هذه التسمية تقتصر على العقوبة دون الجريمة[12]. ورغم ما تقدم فإن بعض الفقهاء يرون أن المصطلح الشائع والمفضل هو "القانون الجزائي" لأنه يؤدي المعنى الأحسن.
وفي الأخير يرى البعض من الفقهاء أن مرد الخلاف يعود إلى ما وقع فيه التشريع الفرنسي؛ إذ يستخدم تعبيري قانون العقوبات والقانون الجنائي كمترادفين دون أن يرتب تعدد التسمية أدنى أثر من حيث اختلاف المضمون، فيما يرى آخرون أن مرد الخلاف يعود إلى موقف المشرع الوطني وانحيازه إلى إحدى التسميات، الأمر الذي دفع فقهاء كل بلد بحكم العادة والاستعمال إلى الدفاع عن التسمية التي ألفوها. ولا تعتبر هذه التسميات كما أسلفنا سوى تعبيرات مترادفة، خاصةً وأننا نجد اختلاف هذه التسميات في التشريع وأعمال الفقه وبعض العلوم الجنائية[13].
الفرع الثاني: مضمون القانون الجزائي وأهميته.
يتضمن القانون الجزائي بمفهومه الواسع ثلاثة أجزاء رئيسية وهي: القانون الجزائي العام والقانون الجزائي الخاص وقد جمع المشرع محتواهما في قانون العقوبات.
في حين أفرد قانون الإجراءات الجزائية بقانون خاص بها.
أولاً: القانون الجزائي العام: ونجد محتواه في قانون العقوبات وهو يشمل على طائفتين من الأحكام الموضوعية، فهناك أحكام عامة؛ وهي التي تضع القواعد العامة التي تحكم الجريمة والمجرم والجزاء[14]، كما تحكم أسس المسؤولية وموانعها، وموانع العقاب بعيداً عن خصوصيات كل جريمة[15]. كما يشمل طائفة من الأحكام الموضوعية الخاصة؛ والتي تحدد الاسم القانوني لكل جريمة؛ وتحدد عناصرها والظروف المشددة والمخففة لها؛ ونوع العقوبة ومقدارها. كما أنه يختص ويهتم بـــ :
- دراسة القواعد أو الشروط العامة للتجريم وتحديد العقاب.
- يهتم بتصنيف الجرائم حسب خطورتها أو حسب مميزاتها الأساسية؛ ويولي كل فئة منها بنظام قانوني معين.
- يختص بتحديد الأركان، التي لا تقوم الجريمة إلا بالتئامهم وهم: الركن المادي، الركن المعنوي، الركن الشرعي
- يحدد أحكام المسؤولية الجزائية وأسباب انعدامها، كالمجنون سواءً كانت موضوعية أو ذاتية.
- يهتم بدراسة الشروع في الجريمة المعاقب عليه ومسألة الاشتراك في الجريمة.
- كما يهتم بدراسة القواعد العامة لتحديد العقوبة والتي تتمحور حول السلطات الممنوحة للقاضي لتجاوز الحّد الأقصى أو النزول عن الحّد الأدنى للعقوبة المقررة قانونا وذلك من خلال دراسة أسباب تشديد العقوبة مثل: العود، وتخفيفها ( الظروف المخففة، والإعفاءات المخففة) والإعفاء منها ( الأعذار المعفية) وهو موضوع دراستنا هاته.
ثانياً: القانــــون الجزائــــي الخــــاص
- يختص بدراسة تطبيق المبادئ العامة المذكورة سلفا على كل واحدة من مختلف الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو القوانين الخاصة ( نصوص التجريم).
- ويشمل على تعريف كل جريمة بعناصرها ويحدد العقوبة المقررة لها مع بيان الحّد الأدنى والأقصى[16].
ثالثاً: قانــــون الإجــــراءات الجزائيــــة
عندما تقع الجريمة تتحرك السلطات للتحقيق فيها ومحاكمة الجاني، فلا تملك الدولة قبل صدور حكم الإدانة من السلطة القضائية أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر على المتهم ولو اعترف طواعيةً بارتكاب الجريمة؛ لأن العقاب ينطوي على مساس جسيم بحرية المتهم وهو ما لا يمكن إقراره أو تحديده إلا من خلال إجراءات معينة تكشف الحقيقة وتحديد القدر اللازم للعقاب ألا وهي الإجراءات الجزائية فلا عقوبة بغير دعوى جزائية[17]. فالإجراءات الجزائية هي الوسيلة الضرورية لتطبيق قانون العقوبات ونقله من حالة السكون إلى حالة الحركة، ومن دائرة التجريد إلى دائرة التطبيق العملي[18]، فهي مرحلة تفصل بين الجريمة المرتكبة والعقوبة المنطوق بها وهي مرحلة المتابعة الجزائية. فقانون الإجراءات الجزائية يهتم بـــ:
- بتنظيم مختلف الجهات القضائية واختصاصاتها وقواعد سيرها.
- يبرز خصائص الدعوة العمومية والمدنية التي يمكن ضمها إلى الدعوة العمومية، وطرق تحريك وأسباب انقضاء كل منها(كالوفاة).
- يرسم مسار الخصومة من التحريات الأولى (مرحلة جمع الاستدلالات)، التي تقوم بها الضبطية القضائية إلى غاية طرق الطعن في الأحكام التي تصدر إثرها[19].
فالملاحظ أن هناك صلة تكاملية بين القانونين، فقانون العقوبات هو القانون الجزائي الموضوعي؛ وقانون الإجراءات الجزائية هو القانون الإجرائي.
الفرع الثالث: خصائص القانون الجزائي.
یتمیز القانون الجنائي بمجموعة من المميزات أو الخصائص ، نذكر أهمها
أولاً: القانون الجنائي ذو طابع سیادي.
ینفرد القانون الجنائي بهذه الخاصیة مقارنة بفروع القوانین الأخرى ، حیث یتجاوز تطبیق القانون الجنائي إقلیم الدولة على بعض الجرائم التي ترتكب في دول أجنبیة إذا كانت ماسة بسیادة الجزائر مثل الجرائم التي ترتكب على متن السفن والطائرات الجزائرية الحربیة مهما كانت الدولة التي تتواجد فیها هذه السفن والطائرات ومهما كانت جنسیة الجاني والمجني علیه[20]، كما ینطبق قان ون العقوبات على الجرائم الماسة بسیادة الدولة ولو ارتكبت خارج إقلیمها ومهما كانت جنسیة مرتكبها[21].
ثانياً :القانون الجنائي أحادي المصدر.
لا تتواجد هذه الخاصیة في أي فرع من فروع القانون ، ربما یعود سبب ذلك إلى الطبیعة الخاصة لقانون العقوبات الذي یرتكز على مبدأ فرید أیضا من نوعه وهو مبدأ الشرعیة الجزائية الذي یقضي بألا جریمة ولا عقوبة بدون نص صریح في القانون، إذا جئنا إلى مقارنة هذه الأحكام بتلك المتواجدة في القانون المدني نجد أن هذا الأخیر ذو مصادر عدة ومختلفة حیث إذا لم یجد القاضي بخصوص القضیة المعروضة علیه نص قانوني ، حكم بمقتضى مبادئ الشریعة الإسلامیة ، فإذا لم یوجد فبمقتضى العرف فإذا لم یوجد فبمقتضى القانون الطبیعي وقواعد العدالة[22]
على ضوء ما سبق نجد أن القانون الخاص له مصادر متعددة ، على خلاف قانون العقوبات الذي یعتمد على مصدر واحد ووحید هو القانون المكتوب فقط .
ثالثاً : القانون الجنائي قانون جامد ومعقد.
إن مسألة تجریم فعل أو تعدیل النصوص الجزائية تتطلب وقتا طویلا ، فحتى یخلق المشرع جریمة جدیدة یجب التأكد أولا من مدى خطورتها على المجتمع؛ وهذا الأمر یستوجب مرور مدة زمنیة طویلة، لأن قانون العقوبات یتسم بإتباع إجراءات وشكلیات معقدة مقارنة بقانون الإجراءات المدنیة، ویبرز ذلك في وجود جهات قضائیة خاصة بالتحقیق ، والمتابعة والمحاكمة .
المطلب الثاني: مكانة وموقع القانون الجزائي في النظام القانوني العام وموقعه ضمن القوانين.
النظام القانوني العام هو مجموعة القوانين السائدة في دولة معينة وفي وقت واحد، ومن الطبيعي اختلاف هذه القوانين باختلاف طبيعة الموضوعات التي تنظمها ( القانون المدني الإداري الدستوري) وعلى الرغم من اختلافها فهي متكاملة ومتناسقة من أجل تنظيم كافة المصالح في المجتمع، والقانون الجزائي جزءُ من هذا النظام العام يتكامل مع بقية القوانين؛ بل لعله الأكثر تداخلاً مع النظام القانوني العام بوصفه القانون الذي يقدم لهم العون جميعاً، حيث يمدها بالجزاء الذي يقدر المشرع أنه قادر على حماية أحكامها عندما تعجز هذه القوانين بجزاءاتها الخاصة عن ضمان احترام قواعدها. فهذا التداخل أوجد الشُبهة حول طبيعة القانون الجزائي[23]. إضافةً إلى أن القانون الخاص يختص بتنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم وتحديد حقوقهم وواجباتهم ( القانون المدني، التجاري...) والقانون العام يختص بتحديد دور الدولة والمؤسسات العامة وعلاقة الأفراد بها، كما يرسم حدود الحريات العامة وطرق ممارستها ( القانون الدستوري، الإداري، الجبائي...).
وفي ظل كل هذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي الفئتين ينتمي القانون الجزائي؟
الفرع الأول: القانون الجزائي فرع من فروع القانون العام.
يرى بعض الفقهاء أن القانون الجزائي فرع من فروع القانون الخاص بحجة أن أغلب نصوصه مقررة لحماية حقوق الأفراد ومصالحهم.
ويرى آخرون أنه ذو طبيعة مختلطة كونه ينظم سلوك الفرد فيضع له حدود الشرعية التي يتعين عليه عدم تجاوزها؛ ويحمي الفرد من تعديات الآخرين على شخصه وأمواله وحقوقه وحرياته هذا من جهة، ومن جهة أخرى يضع قواعد لحماية النظام العام الاجتماعي والسياسي القائم في المجتمع وذلك لحماية المجتمع[24].
غير أن الرأي الراجح أن القانون الجزائي فرع من فروع القانون العام سواءً بالنظر إلى طبيعة المصالح التي يحميها؛ أو بالنظر إلى الروابط القانونية التي ينشئها، فعندما تضع الجريمة مقترفها في مواجهة المجتمع سواءً أكان المعتدى عليه الدولة أو أحد أفرادها؛ فإننا هنا لا نتعامل مع الحق الفردي إلا إذا قدرت الجماعة خطورةً عليها، وبالتالي أُوجبت حمايته بالجزاء الجزائي؛ ويترتب على ذلك عدة نتائج هامة منها أن المُعتدى عليه من الأفراد لا يملك أن يتنازل عن حقه بعد وقوع الجريمة، ولا يملك تحريك الدعوى العمومية أو التنازل عنها، وليس له شأن في تنفيذ الجزاء المحكوم به[25]، فعلى سبيل المثال لا بقصد القانون الجزائي بتجريم السرقة أو القتل حماية مصلحة فردية لصاحب المال أو حماية القتيل بقدر ما يهدف إلى حماية حق الملكية والحق في الحياة؛ وذلك تأميناً لمصلحة المجتمع[26]. فالروابط القانونية التي تنشأها الجريمة لا تقوم بين الجاني والمجني عليه بقدر ما تقوم بين الجاني والنيابة العامة[27].
ولا يُرد على هذا القول بأن رضى المجني عليه يبيح الفعل المجرم في بعض الحالات، وأن تحريك الدعوى العمومية يتوقف على شكوى المجني عليه في مناسبات حددها المشرع، مما يجعل قانون العقوبات أو القانون الجزائي أقرب إلى القانون الخاص منه إلى القانون العام؛ فما هذه الحالات إلا استثناءات أرادها المشرع ونص عليها لاعتبارات خاصة هي في حقيقتها لمصلحة المجتمع ذاته. وعليه يمكن القول أن القانون الجزائي بكل فروعه فرع من فروع القانون العام[28].
الفرع الثاني: استقلالية القانون الجزائي عن فروع القانون الأخرى والاستعانة بها.
رغم أن غالبية الفقه يقرون بأن القانون الجزائي فرع من فروع القانون العام ألا أن ذلك لا يحول دون قيام علاقات بين القانون الجزائي والقوانين الأخرى، فرغم أنه يساند هذه القوانين ألا أنه يتسم بطابع الاستقلال عن هذه القوانين، وتتجلى هذه الاستقلالية بالخصوص إزاء القانون المدني، فهذا الأخير يهتم بالنتائج الضارة فقط فيعوضها، أما القانون الجزائي فيجرم أحياناً الأفعال التي تعرض الحقوق للخطر كالشروع مثلاً في الجنايات وبعض الجنح، وتعريض الطفل للخطر، والامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، وممارسة الطب بدون ترخيص.
والقاعدة أن قانون العقوبات يطلب العمد فلا يعاقب عما يقع نتيجة إهمال أو عدم احتياط إلا على سبيل الاستثناء، أما القانون المدني فيسوي بين الإهمال والعمد، وفي المسؤولية وتقدير العقاب يهتم قانون العقوبات بإدراك الفاعل وتمييزه؛ ومدى خطئه، ولا يوجد مقابل ذلك في القانون المدني، غير أن هذه الاستقلالية نسبية؛ ذلك لأن هناك تعاون بين القانون الجزائي والقوانين الأخرى فيدعم إحداها ويستعين بأخرى[29]. كما أن له صلة بالقانون الإداري من خلال صيانته للوظيفة العامة من عبث الموظفين والأفراد، وبقانون الأسرة من خلال حمايته لحقوق يقرها قانون الأحوال الشخصية فيعاقب على الزنا وعدم تسديد النفقة، ويعاون القانون المدني في حماية حق الملكية والحيازة، والقانون التجاري في حمايته للثقة بين التجار في المعاملات وفي الأوراق المالية فيعاقب على الاحتكار والغش في المعاملات التجارية وإصدار شيك بدون رصيد.
كما أنه يستعين بالقوانين الأخرى وتظهر مظاهر الاستعانة حين الرجوع إلى القانون المدني في تعريف العقود في جريمة خيانة الأمانة، ويرجع إلى القانون التجاري لتعريف الشيك في جرائم الشيكات.
الفرع الثالث: علاقة القانون الجزائي بالعلوم وفروع القانون الأخرى.
من المعروف أن كل قانون يقترن بجزاء يصبح قانوناً جزائياً، فالقانون الجزائي هو قانون القهر والإلزام يقدم الحماية الواجبة التي يقدرها المشرع الجزائي للمصالح والحقوق التي تنظمها القوانين الأخرى عند اللزوم.
أولاً: علاقة القانون الجزائي بفروع القانون الأخرى.
الملاحظ أن القانون الجزائي يعمل على تعويض النقص في الجزاء الذي تقرره القوانين الأخرى لحماية الحقوق التي تنظمها، فإذا عجز الجزاء المدني عن حماية حق الملكية مثلاً تدخل القانون الجزائي لحمايتها بالعقاب على السرقة أو النصب أو خيانة الأمانة...
وعلى نفس المنوال يقدم القانون الجزائي الحماية الجزائية لكل الحقوق التي تنظمها القوانين الأخرى والتي يقدر المشرع الجزائي ضرورة حمايتها[30]. فيساعد القانون الدستوري وذلك بمعاقبته على المساس بأمن الدولة ومؤسساتها والحقوق الفردية والسياسية التي كفلها الدستور كالحرية الشخصية؛ وحق الانتخاب، ويعاون القانون الإداري في صيانة الوظيفة العمومية من عبث الموظفين والأفراد[31]. كما يحمي حقوق الأفراد عندما تتصل بمصلحة المجتمع كحماية حقوق الزوجية التي تقرره قوانين الأحوال الشخصية بعقابه على الزنا وعدم تسديد النفقة[32]، ويعاون القانون التجاري في حماية الثقة بين التجار في المعاملات والأوراق المالية فيعاقب على الغش في المعاملات التجارية وإصدار شيك بدون رصيد[33].
فهل يعني هذا أن القانون الجزائي هو قانون ثانوي يقتصر دوره على تقديم الجزاء الفعال لحماية المصالح التي تقررها القوانين الأخرى؟
ذهب البعض من الفقه إلى القول أن للقانون الجزائي دوراً ثانوياً في النظام القانوني العام؛ فهو لا يقرر حقوق وإنما يكتفي بأن يقدم الجزاء للحقوق التي تقررها القوانين الأخرى، وبالتالي فهو قانون جزائي فحسب[34].
هذا الرأي مردود من قبل أغلب الفقهاء، حيث أكدوا استقلالية القانون الجزائي وذاتيته، فهو لا يتقيد بأحكام القانون المدني لبطلان العقد من الوجهة المدنية في قيام جريمة خيانة الأمانة، ولا أثر لبطلان الورقة التجارية في قيام جريمة إصدار شيك بدون رصيد[35]. إضافةً إلى أنه يحمي حقوق لا ينظمها فرع محدد من فروع القانون كحق الإنسان في الحياة أو سلامة الجسم، إضافةً إلى أنه لا يتقيد بمفهوم الحق كما جاء في القوانين الأخرى بل يعطيه مدلولاً خاصاً؛ فمفهوم الموظف العمومي في القانون الإداري يتوسع عنه في قانون مكافحة الفساد.
وتظهر استقلاليته كذلك من خلال النظريات التي أُخذ بها في مجال تفريد العقاب، فإذا كان القاضي المدني يبحث في موضوع الدعوى بهدف إصلاح الضرر والحكم بالتعويض المناسب فإن القاضي الجزائي يسعى إلى تفريد العقوبة فيولي اهتماماً كبيراً بشخصية الفاعل، وذلك بدراسة عناصر وظروف ارتكاب الجريمة في محاولة لإيجاد الجزاء الأنسب من أجل إعادة تأهيله.
ثانياً: علاقة القانون الجزائي بالعلوم الأخرى.
الجريمة ليست ظاهرة ميتافيزيقية لا يمكن فهمها ، فهي عمل بشري اجتماعي يمكن دراستها واستقراء القوانين العلمية التي تحكمها، وفي هذا الإطار ظهرت علوم جديدة تُعنى بالكشف عن الجريمة؛ ومعرفة أسبابها؛ وسبل الوقاية منها. ومن الطبيعي ألا يُغمض المشرع الجزائي عينهُ عن الحقائق العلمية التي تُقدمها هذه العلوم عند رسم السياسة الجنائية في محاربة الجريمة.
1- قانون العقوبات وعلم الإجرام: يبحث علم الإجرام في أسباب الجريمة ويدرسها كظاهرة اجتماعية ويهتم بالظروف التي تنشأُ فيها، فقد عُرف هذا العلم على أنه:" الدراسة العلمية لظاهرة الجريمة" فتكون هذه المعارف التي يقدمها علم الإجرام لرجل القانون ذات نفع؛ فتمكنه من تطبيق نصوص قانون العقوبات على نحو سليم؛ خاصةً في مجال نظام وقف تنفيذ العقوبة؛ والإفراج المشروط؛ والحرية النصفية مثلاً.
2- قانون العقوبات وعلم العقاب: يهدف علم العقاب إلى مكافحة الإجرام؛ وذلك بسعيه إلى اكتشاف أفضل الوسائل وأنجعها في سبيل إعادة تأهيل المحكوم عليه، ويستغل مدة العقوبة التي يقضيها الجاني من أجل إصلاحه وتهذيبه وتكوينه، فهو بذلك علم "معاملة المساجين" ونظراً لأهمية هذا العلم فقد أصدرت بعض الدول تقنيناً يرتب القواعد الواجب تطبيقها على المساجين كقانون تنظيم السجون وإعادة تربية المساجين[36]، الصادر بمقتضى الأمر رقم 72-02 المؤرخ في 10 فبراير 1972 الذي أُلغي بموجب القانون رقم 05-04 المؤرخ في 06 فبراير 2005 المتضمن قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين دون الإخلال بأحكام قانون القضاء العسكري.
3- قانون العقوبات وعلــم التحقيق الجنائي (البوليس الفني) وهو العلم الذي يهتم بدراسة تحديد الجاني والتعرف على مرتكب الجريمة وكيفية وقوعها، بدءا من دراسة البصمات، وكيفية رفع آثار الجريمة، وفحصها وتحليلها... وهو علم شهد تطورات مذهلة في السنوات الأخيرة،حيث استفاد كثيرا بالتطورات العلمية والتكنولوجية التي وفرتها للبحث الجنائي، سواء فيما يتعلق بدراسة مسرح الجريمة، أو التعرف على الجناة، من وجود لفكرة البصمات الوراثية، والأدلة الإلكترونية والمعلوماتية والبيولوجية...وعلم التحقيق الجنائي يضم في الواقع العديد من التخصصات التي تتعاون في مجملها لأجل اكتشاف الجريمة ومرتكبيها، ففي إطار هذا العلم، هناك " الطب الشرعي" الذي ساعد على اكتشاف أسباب الوفاة مثلا ووقتها، ومدى وقوع الاعتداء من عدمه، وطريقة هذا الاعتداء وما إن كان عن طريق العنف أو غيره، وأي وسيلة كانت سببا في إحداث الجريمة، والتعرف حتى على المجني عليهم والجناة على حد سواء، لاسيما في ظل استفادة هذا العلم من التطورات العلمية الحاصلة في الثورة البيولوجية والمعلوماتية، كما يوجد " علم السموم" الذي يساعد على التحقق من أن مادة معينة أو مخدر ما كان السبب في حدوث الجريمة، وتحليل المواد المخدرة في جرائم المخدرات، كما يوجد ما يسمى بعلم البصمات، والذي تمارسه " الشرطة العلمية". وهي كلها علوم تسهل من مهام رجال البحث والتحري، والقاضي في إصدار حكمه، كما يستعين القانون الجزائي بالكثير من العلوم الأخرى، مثل علم الاجتماع القانوني، الذي يهدف إلى دراسة الواقع الاجتماعي للقانون منذ نشأته مرورا بمختلف مراحل تطوره، وكذا العوامل والظروف المحيطة بإصدار التشريعات العقابية ودراسة آثارها الاجتماعية، والعوامل الاجتماعية التي تؤثر في إصدار القوانين وعمل أجهزة العدالة، وهو بذلك يلعب دورا بارزا في تقديم الحقائق الاجتماعية بطريقة موضوعية للمشرع لكي يصدر بناء عليها قوانينه، مما يكفل علاقة الصلة بين القانون والمجتمع الذي نشأ لتنظيمه، وكذا علم الإحصاء، الذي يعتني بإعطاء حقائق رقمية للمتخصصين في التشريع حتى يكونوا على دراية واقعية بكل ما يتصل بالجريمة والمجرمين، من عدد الجرائم والمجرمين أو دراسة نوعية معينة منهم، ومدى انتشار الجريمة في زمان ما أو مكان ما ... خاصة وأن الدراسات الإحصائية من أفضل السبل للحكم على نجاح السياسة الجنائية.
المبحث الثاني: نشأة القانون الجزائي وتطوره.
مر قانون العقوبات في تطوره بالعديد من المراحل، وهي التي ميزت تطور المجتمعات البشرية، وعرف الكثير من التطورات والانقلابات، غير أننا سنركز دراستنا فقط على أهم المراحل التي تساعدنا على فهم مبادئه ومضامينه التي رُسخت اليوم كنظريات، وفي تمييزنا لمراحل تطور قانون العقوبات يمكن القول بأنها ثلاث مراحل أساسية، هي مرحلة المجتمعات القديمة أي ما قبل ظهور وقيام الدولة، وبعدها مرحلة ظهور الدولة، ثم مرحلة ظهور المدارس الفقهية وأثرها على تطور قانون العقوبات، غير أننا سنحاول أن نتناول هذا التطور ضمن ثلاث مطالب أساسية، نخصص الأول لعوامل تطور القانون الجزائي في المجتمعات القديمة، والثاني لظهور الدولة وأثره على تطور القانون الجزائي أما الثالث فنخصصه لتطور قانون العقوبات مع ظهور المدارس الفقهية، كون الأخيرة هي التي ساهمت في تطوره ووصوله للشكل الذي هو عليه الآن، وذلك بهدف فهم قانون العقوبات على ما هو عليه الحال في الوقت الراهن[37].
المطلب الأول: القانون الجزائي وعوامل تطوره في المجتمعات القديمة.
يقصد بالمجتمعات القديمة، تلك المراحل الزمنية الطويلة التي مرت بها المجتمعات البشرية قبل أن تنتظم في شكل دول، وفي هذا الوقت أكد الباحثين أن البشرية عرفت أربعة نظم أساسية، هي نظام الأسرة، نظام العشيرة، نظام القبيلة، ثم فكرة المدينة التي كانت أساسا لقيام الدول، وقد خضعت هذه الجماعات للعادات والتقاليد وما تكَون لديها من أعراف[38]، ورغم بساطة تكوين هذه الجماعات البشرية الصغيرة وطريقة عيشها التقليدية، إلا أنها عرفت الجريمة ورد الفعل المقابل ضدها، وهو ما أكدته الكتب السماوية منها الشريعة الإسلامية الغراء، حيث بينت أن أول فعل بشري مثير على وجه الأرض كانت جريمة قتل، حيث قال عز وجل:" فطوعت له نفسه قتل أخيه فأصبح من الخاسرين"[39] في إشارة إلى قتل ابن آدم قابيل لأخيه هابيل، ومن خلال الجريمة ورد الفعل المقابل أي الجزاء، تكونت النواة الأولى لقانون العقوبات، مثلما هو الأمر عليه اليوم، حيث أن أساس قواعد قانون العقوبات " الجريمة والجزاء" المشكلة للشق الموضوعي للقاعدة الجزائية.
فقبل ظهور الدول، عرفت المجتمعات البدائية التقليدية الأولى نظم اجتماعية بسيطة، تمثلت في الأسرة، القبيلة، ثم العشيرة. والتي عرفت بعض النظم والأفكار التي انعكست على مبادئ ونظريات قانون العقوبات، وطُورت في مراحل تطوره اللاحقة.
الفرع الأول: مجتمع الأسرة.
كانت بداية الاهتمام بقانون العقوبات، وتشكل نواته الأولى، عن طريق الأعراف التي تشكلت بخصوص فكرة " العدوان" ، حيث كان كل اعتداء على فرد من أفراد الأسرة يعد كاعتداء على سائر أفرادها، سواء كان اعتداءا داخليا أو خارجيا من فرد أو أفراد من أسر أخرى، في الحالة الأولى يقرر رب الأسرة الجزاء المقرر على الفرد مقابل اعتداءه على أسرته، والذي قد يصل حد النفي من الأسرة أو القتل، وفي حالة الاعتداء الخارجي كان الجزاء عبارة عن ثأر جماعي وما يمكن قوله عن هذه الفترة من حياة البشرية، أن الجرائم كانت قليلة وعادة ما تنحصر في جرائم الأشخاص فقط، وعلى الخصوص جريمة القتل، وذلك راجع لبساطة الحياة في تلك المجتمعات وقلة الأموال التي يحتمل الاعتداء عليها، مما انعدم معه جرائم الأموال، وكان رد الفعل على الجرائم التي كانت موجودة غريزيا يتمثل في انتقام المجني عليه أو أهله، على الجاني أو أهله، وهو الانتقام الذي يساوي أو يفوق – في غالب الأحيان- الضرر الذي لحق بهم، مما جعل من حلقات الانتقام تتسلسل وتتوالى حيث كل انتقام يعقبه انتقام مضاد وهكذا الأمر الذي ترك بصمة واضحة وكبيرة في مجال تطور قانون العقوبات
الفرع الثاني: مجتمع العشيرة.
بالنظر لكون العشيرة عبارة عن انضمام بعض الأسر لبعضها البعض، خاصة تلك التي تربط بينها روابط النسب، ورثت العشيرة النظام العقابي الذي كان سائدا في مرحلة الأسرة، وطورته نوعا ما بما يلاءم مصالح العشائر الجديدة، خاصة وأن سلطات رب الأسرة في توقيع الجزاء، انتقلت إلى رئيس العشيرة في حال ما إن كان الجاني ينتمي لهذه العشيرة، وحلت فكرة الانتقام الجماعي" بين أسر العشيرة الواحدة، مما هدد أمن العشائر وأحلوا محله فكرة الطرد من العشيرة حتى لا يعرض وحدتها للخطر، واهتدوا أيضا لفكرة نظام القصاص الذي كان له تأثير كبير في الحد من شهوة الانتقام الفردي والمبالغة في الثأر. غير أنه في حالات الاعتداءات الخارجية بقيت الحروب بين العشائر وسيلة لتوقيع الجزاء والانتقام من جناة العشائر الأخرى، وتفكيرا في الحد من ويلات هذه الحروب اهتدت العشائر لفكرة الدية والصلح، الدية وهي مبلغ من المال تدفعه عشيرة المعتدي لعشيرة المعتدى عليه نظير تنازلها عن الثأر، مما قلل من الحروب التي كانت تثار من حين لآخر بين هذه العشائر، وقربت بينها، الأمر الذي جعلها تتحد في نظم اجتماعية أوسع هي نظم القبيلة والمدن لاسيما بظهور الديانات التي ساهمت في هذا التوحد والاندماج، وقوت من سلطات الحكام التي اصطبغت بصبغة دينية، الأمر الذي جعل من الجرائم التي يقرها تصطبغ بصبغة دينية أيضا، وتجعل من العقوبة التي تنزل بالجاني، إرضاء للآلهة قبل أن تكون انتقاما أو ثأرا؛ مما مكن الكهنة ورجال الدين في التجريم والعقاب. ويمكن القول أن هذا التطور يسمح لنا القول بأن سلطات التجريم والعقاب انتقلت من رب الأسرة إلى رب العشيرة إلى رجل الدين أو الكاهن، وأن العقوبة إرضاء للآلهة قبل أن تكون عبارة عن انتقام أو ثأر من الجاني. ومع ظهور الدول عملت على تعديل مضامين التجريم والعقاب بما يبسط هيبتها ويؤكد هيمنها ويفرض سادتها وسلطانها، وكانت وسيلتها الوحيدة في ذلك قانون العقوبات، وقد كان لها ذلك فعلا.
الفرع الثالث: دور الدين في تطور القانون الجزائي.
لعب الدين دوراً كبيراً في تنظيم الحياة السياسية في المجتمعات القديمة، فقد كان لوحدة الاعتقاد الديني الأثر البالغ في توحيد الشعائر واندماجها[40]، فأصبح النظام العقابي شأن من شؤون السلطة وحدها دون غيرها. كما ظهرت فكرة الردع ووقاية المجتمع من الإجرام، كأهداف للجزاء الجنائي عوض الانتقام والثأر، والردع قد يكون خاص يتمثل في تكفير الجاني عن إثمه، أو عام يتمثل في تخويف وترهيب باقي أفراد المجتمع، ليتأكد بذلك الدفاع عن أمن وسلامة المجتمع، غير أن هذه الأهداف جعلت الدول القديمة تبالغ في قسوة العقوبات، وهنا ظهرت عقوبات الإعدام بكثرة، مع عقوبات أخرى كثيرة تنطوي على الكثير من صنوف التعذيب، مثل الإحراق وتمزيق الأطراف والتغليل بالسلاسل. الأمر الذي جعل القرون الوسطى، التي شهدت نشأة وظهور الدول تمر بمرحلة سواد حالك في المجال العقابي، في الغالب ما يتجاوزه الشراح الأوروبيين، لإخفاء حقيقة الوضع المأساوي في المجتمعات الأوروبية، من جهة، ولتغطية أفضال الشريعة الإسلامية على المجتمعات من جهة ثانية. خاصة وأنها الشريعة التي أنارت هذه الحقبة التاريخية وطورتها وأرست حضارة ظاهرة لا تخفى معالمها. وهو ما يقدونا إلى تناول فكرة أثر الدين على تطوير قانون العقوبات، من خلال فرعين، نتناول في الأول قانون العقوبات والديانة المسيحية، وفي الثاني الشريعة الإسلامية وأثرها في تطوير قانون العقوبات.
وقد ورثت الدول الأوروبية القوانين الجزائية المصبوغة بصبغة دينية، نتيجة انتشار الديانة المسيحية، وهو الوضع الذي استغلته الكنيسة وحاولت الإبقاء عليه وتدعيمه، ومحاولتها السيطرة على أجهزة العدالة بالنظر لكونها صاحبة الاختصاص، باعتبار الجرائم اصطبغت بصبغة دينية، الوضع الذي جعل الكنيسة تنازع الدولة في مسألة الاختصاص القضائي، والتجريم والعقاب، وهنا انقسم قطاع العدالة إلى قسمين، عدالة كنسية يرعاها رجال الدين، وعدالة دنيوية ترعاها الدولة[41]، ونتج عن ذلك صراع طويل ومرير انتهى في نهاية المطاف إلى تغليب دور المحاكم الدنيوية على حساب المحاكم الكنسية[42]، مما زد من تعسف وتحكم أهواء الحكام، وظلت العقوبات تتصف بالقسوة، ابتلى فيها الناس بعدالة لا ترحم، هدفها وهمها الوحيد ردع الشعوب وتخويفهم وبث الرعب فيهم حفاظا على كيان الدولة، ورغم ذلك بقيت الجرائم والعقوبات تتسم بصبغة دينية، وساد اعتقاد في أوروبا أن أي كارثة أو مشكلة تحل بالمجتمع سببها غضب الآلهة عن الجريمة التي أغضبتها، لذا يجب إنزال أشد العقوبات على من يغضب الآلهة ولعل أشد الجزاءات وأفظعها الرجم والتمزيق والنار الحمراء وثقب اللسان[43]، واعتبرت العقوبة في القانون الكنسي تكفير عن ذنوب الجاني وإرضاء للآلهة. ومما زاد الأوضاع تعقيدا، مبالغة القضاة في إرضاء الحكام، وتكريس الطبقية بين الناس وسيادة اللامساواة، ومما أزم الأوضاع أكثر اعتبار الحكام أنفسهم مفوضون في الأرض للحكم باسم الآلهة، فكانت هذه الفترة في أوروبا في الحقيقة من أسوأ الفترات التي عرفتها العدالة الجنائية وقانون العقوبات على الإطلاق، امتدت لنهاية القرون الوسطى، وبالضبط إلى ما قبل الثورة الفرنسية سنة 1789. غير أن الأمر اختلف في الناحية الثانية من العالم بإطلال فجر الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: ظهور الدولة وأثره على تطور القانون الجزائي.
الفرع الأول: في الشريعة الإسلامية.
على عكس الجانب المظلم للعدالة الجنائية وقانون العقوبات السائد في أوروبا في القرون الوسطى، فإن الجهة الأخرى المقابلة كانت تنعم بتطبيق أكثر النظم القانونية الجنائية إحكاما، حيث كانت تطبق الشريعة الإسلامية، التي نرى أنها على عكس التطورات السابقة، اهتمت بالجريمة قبل اهتمامها بالعقوبة، حيث قسمت الجريمة شرعا إلى ثلاثة أقسام مختلفة لكل منها قواعدها وأحكامها، ولكل نوع منها عقوباتها الخاصة، وأصناف الجرائم في الشريعة الإسلامية هي: جرائم الحدود التي حددت على سبيل الحصر في القرآن الكريم، ويعاقب عليها بعقوبة تسمى الحد المقرر كحق لله عز وجل، وهي جرائم قررت لحفظ النفس والنسل والعرض والمال والعقل والدين، لذا قابلتها جرائم: السرقة، الزنا، القذف، شرب الخمر، الردة، البغي والحرابة. والنوع الثاني من الجرائم، هي جرائم القصاص والدية وهي جرائم قررت حفاظا على مصالح الأفراد، والنوع الثالث، وهو الجرائم التعزيرية التي تعني تأديب على الذنوب التي لم يأتي فيها حد من الحدود، أو القصاص والدية. كما اهتمت الشريعة الإسلامية بفكرة المسؤولية الجنائية وطرق الإثبات وغيرها من الأفكار التي لم تكن معروفة في القانون العقابي في الشق الآخر من العالم.
نحت الشريعة الإسلامية منحى خاصاً لم تعرفه الشرائع القديمة ولا الحديثة[44]، وما يمكننا قوله عن دور الشريعة الإسلامية، نبرزه باختصار فيما قاله العلامة أحمد عبد الرزاق السنهوري:" لو وطئت أكنافها وعبدت سبلها لكان لنا في هذا التراث الجليل ما ينفخ روح الاستقلال في فقهنا وفي قضائنا وفي تشريعاتنا، ثم لأشرفنا نطالع العالم بهذا النور الجديد فنضيء به جانبا من جوانب الثقافة العالية في القانون"، وهي حقيقة لم يقف عندها فقهاء الشريعة الإسلامية فقط وإنما حتى الفقه الأوروبي المقارن، خاصة في المؤتمر الذي عقدته شعبة الحقوق الشرعية من المجتمع الدولي للحقوق المقارنة في كلية الحقوق جامعة باريس في 2 جويلية 1951 بعنوان: " أسبوع الفقه الإسلامي "، حيث تم التأكيد على أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها، كما أن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ومن الأصول الحقوقية التي هي مناط الإعجاب، والتي بها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها وفي أثناء مناقشات هذا المؤتمر أبدى نقيب المحامين في باريس آنذاك دهشته بقولــه : " أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلاحيته كأساس تشريعي يفي بحاجات المجتمع الحضري المتطور، وبين ما نسمعه الآن في محاضرات ومناقشات، مما يثبت خلاف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادئ"
هذا، ويمكننا أن ننبه طلبتنا الأعزاء، أن الاهتمام في هذه المراحل كان منصبا بالأساس على فكرة العقوبة والجزاء، وهو أمر تبينه غالبية الدراسات، في حين أننا نرى الأهم أن يتم التركيز على جانب الجريمة وهو ما أهمل تماما، لكن بدراستنا لمختلف التطورات أمكننا أن نستنتج الملاحظات التالية بخصوص تطور نظرية الجريمة، في مقابل تطور نظرية الجزاء السابقة، فالجرائم في المجتمعات البشرية القديمة، وبالنظر لبساطة طرق عيشها،لم تكن متعددة بالشكل الحالي، حيث أهم ما عرفته المجتمعات البشرية قديما خاصة في مرحلة الأسرة وبداية تشكل العشائر، هو الجرائم الواقعة على الأشخاص وأهمها جريمة القتل، ثم مع القوة التي بدأت تتخذها المكونات القديمة وتقوية طرق عيشها ووسائل تبادلها، بدأت تظهر الجرائم المالية، وبظهور الدين ظهرت الجرائم التي تشكل اعتداء على الديانات، وبظهور الدولة ونظم الحكم المختلفة ظهر ما يعرف اليوم بالجرائم السياسية. أما من حيث تكوين البنيان القانوني للجريمة، فلم يكن ينظر في المجتمعات القديمة للجانب النفسي للجريمة أو لمرتكبها، وبمعنى قانوني أدق، لم يكن ينظر للركن المعنوي للجريمة، حيث كانت مجرد فعل مادي يسأل من صدر عنه دون اعتداء بإرادته أو قصده، فالجريمة وفق هذه المجتمعات كانت تتكون من ركن واحد هو ركن مادي. أما بداية بروز الركن المعنوي للجريمة واتخاذه مكانته كركن أساسي في الجريمة، كان مع ظهور القانون الروماني القديم، لكن دوره كان مقتصرا على تحديد المسؤولية وتقدير العقاب لا كركن بالمعنى القانوني الدقيق، بناء عليه يكتمل البنيان القانوني للجريمة. غير أن هذا الركن اتخذ مكانته الطبيعية إلى جانب الركن المادي، بظهور الديانة المسيحية، حيث تعد الجريمة في نظر الفقه الكنسي أن يكون الجاني أراد الخطيئة واتجهت نيته إليها، لكن مع الشريعة الإسلامية تبلور بطريقة واضحة، ومن بعده المسؤولية الجنائية وموانعها وأسباب الإباحــــة.
أما النقطة
الثانية التي من خلالها يمكننا التطرق لتطور قانون العقوبات، هي فكرة مبدأ الشرعية
أو على الأقل مبدأ التجريم والعقاب، حيث أنه في المجتمعات القديمة لم يكن المبدأ
معروفا وبالتالي كان التعسف ومبدأ اللامساواة، وكان الأفراد يفاجئون بجرائم لم يكن
أمرها مجرما من قبل وتوقع عليهم عقوبات لم ينذروا بها من قبل وعدم المساواة بن
الجناة حيث كانت تتحكم في ذلك وضعهم الاجتماعي والطبقي.
المطلب الثالث: ظهور المدارس الفقهية وتأثيرها على تطور القانون الجزائي.
الفرع الأول: المدرسة التقليدية الكلاسيكية القديمة.
نشأت هذه المدرسة في منتصف القرن الثامن عشر في خضم ظروف اجتماعية طغى فيعا التسلط وتجاهل الحقوق الفردية[45]، وذلك بعد صدور كتاب " الجرائم والعقوبات" للمفكر الإيطالي بيكاريا سنة 1764، الذي ألفه في مجتمع اتسم بقسوة العقوبات والتجريم على الأهواء وانتفاء المساواة في التطبيق تبعا لاختلاف الطبقات، حيث نادى في كتابه بوجوب المساواة والقضاء على الطبقية، والإقلال من قسوة العقوبات، ونادى بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وهي الأفكار التي اتبعها في إيطاليا فيلا تيجري، وفي ألمانيا فويرباخ، وفي إنجلترا بنتام، الذي أدخل فكرة المنفعة كأساس لتقدير العقوبة، وأن تكون العقوبة بقدر من الإيذاء والألم للمجرم بقدر يفوق اللذة التي حصل عليها من ارتكاب جريمته، كما ركز على الأثر الرادع للعقوبة، خاصة الردع العام الذي يعد أساس إحجام الناس على ارتكاب الجرائم، وعموما يمكن تلخيص الأسس الفلسفية التي قام عليها فكر المدرسة التقليدية على المبادئ التالية التي كان لها أثر في قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1910:
1- إقرار مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وإبطال سلطة القاضي في خلق الجرائم، والتقليل من سلطته التقديرية في تحديد العقوبات.
2- أساس المسؤولية الجنائية حرية الاختيار، حيث توجه أوامر ونواهي قانون العقوبات للشخص المميز المدرك لتصرفاته.
3- الحد من قسوة العقوبات، ورأى بيكاريا الذي يعد أول من وضع أسس في فلسفة العقاب ووضع نظرية متكاملة تحدد أساس حق الدولة في العقاب، وانتقد قسوة العقوبات التي رأى أنه لا فائدة منها حيث يعمل الجناة على الإفلات منها، بل فكر في أن العقوبة يجب أن تكون بقدر يفوق ما يحصل عليه الجاني من جريمته، حيث إذا فكر في ارتكاب جريمة وازن بين ما يعود عليه من نفع جراء ارتكابه هذه الجريمة، وما ينزل عليه من عقاب، حيث إن وجد الألم الذي ينزل به جراء العقوبة يفوق النفع الذي يحصل عليه من اقتراف الجريمة امتنع عن ارتكابها، بينما جاك روسو وفي كتابه العقد الاجتماعي، فيرى رد العقوبة إلى أدنى الحدود، حيث أن الشخص لما تنازل عن حريته للجماعة، لم يتنازل إلا عن القدر اللازم لحماية هذه الحرية، وتبنى جيريمي بنتام فكرة المنفعة الاجتماعية أيضا، التي نادى بها بيكاريا، حيث رأى أنه لا فائدة من قسوة العقوبات ما لم تكن تنطوي على مصلحة، وبالتالي نادى هؤلاء، بالمساواة بين الناس في العقاب، والتقليل من قسوة العقوبات والأخذ بفكرة حرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجنائية.
الفرع الثاني: المدرسة التقليدية الكلاسيكية الحديثة.
وهي المدرسة التي قامت على أفكار الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، والتي كان لها أثر كبير على الفكر القانوني الجنائي، فأخذت بحرية الإرادة كأساس لتقدير المسؤولية الجزائية[46]، حيث نادى بفكرة العدالة المطلقة، وأسس العقوبة على اعتبارات إرضاء الشعور بالعدالة، حيث أن الجاني أنزل شرا بالمجتمع، وإرضاء شعور هذا المجتمع بالعدالة يجب أن يقابله إنزال شر بالجاني، حتى ولم لم تتحقق مصلحة للمجتمع في ذلك، وقد صاغ في ذلك مثالا شهيرا، هو أنه المجتمع الذي يهجر فرد أو يعدمه وبالرغم من أنه افتقد لهذا العضو ولم ينل أية فائدة من ذلك، إلا أن تنفيذ العقوبة تنزل رضاء بالعدالة بهذا المجتمع. وقد تأثر بأفكار هذا المفكر، روسيه وأرتولا وموليه في فرنسا، وكيرار وكرمينيان في إيطاليا، وهوس في بلجيكا، وميترماير في ألمانيا، وتكونت من أفكار جميع المدرسة التقليدية الحديثة، وجمعوا بين فكرة العدالة التي نادى بها كانت، وفكرة المنعة التي نادى بها بنتام، وأسسوا العقوبة على فكرة العدالة التي تحقق منفعة للمجتمع، حيث لا يعاقب الجاني بعقوبة تتجاوز الحدود التي تتطلبها مصلحة المجتمع، كما انتقد رواد هذه المدرسة فكرة المساواة المطلقة التي لا تأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني وظروفه الشخصية، حيث أدخلوا فكرة الظروف المخففة ونادوا تبعا لذلك بالتوسع بعض الشيء في السلطة التقديرية للقاضي حتى يراعي الظروف الشخصية للجاني
الفرع الثالث: المدرسة الوضعية.
المدرسة الوضعية نشأت بإيطاليا مع صدور كتاب " الإنسان المجرم" للطبيب الإيطالي لمبروزو سنة 1876، وتبعه القاضي جارو فالو الذي ألف كتابا عن علم الإجرام، وفيري الذي وضع مبادئ نظريته في رسالة تخرجه من كلية الحقوق، بعنوان " آفاق جديدة في قانون العقوبات"، وكونت آراء الثلاثة المدرسة الوضعية، التي تعد أول محطة حولت الأنظار من الاهتمام بالجريمة كفعل ضار وقع في المجتمع، إلى شخص المجرم باعتباره محدث هذا الفعل الضار، ومصدر الخطورة في العودة مستقبلا للإجرام، وإحداث المزيد من الوقائع الضارة الأخرى بالمجتمع، وبالتالي وجوب أن يهدف رد فعل المجتمع هذه الخطورة الإجرامية، وذلك بتطبيق التدابير الاحترازية للقضاء على الخطورة الكامنة لدى المجرم. وقد تعرضت للنقد الشديد على إثر موجة الإجرام الكاسحة التي عرفها القرن التاسع عشر والتي بينت أن نسبة العائدين من المجرمين كانت كبيرة[47]، خاصة وأنها المدرسة التي نفت بداية " حرية الاختيار" عن الجاني، فهو مدفوعا دائما بعوامل داخلية دفعته لارتكاب الجرائم، سواء كانت هذه العوامل الداخلية، ذات أصل وراثي أو جثماني أو اجتماعي، والتي تدفعه جبرا إلى ارتكاب الجرائم، وبالتالي العقوبة سوف لن يكون لها أثرا رادعا ويجب أن يتجرد مضمونها من فكرة الردع، كون الردع يستلزم التسليم بحرية الإرادة، والجاني ليس حرا بل مدفوعا، بمعنى ليس مخيرا بل مسيرا. وأن الخطورة الإجرامية هذه يجب أن تواجه بتدابير احترازية كفيلة بالقضاء عليها، وإصلاح الجاني أو إقصائه من المجتمع إن تعذر إصلاحه، لذا تمحورت أفكار هذه المدرسة حول المبادئ التالية:
1- ضرورة قيام قانون العقوبات على أسس شخصية، حيث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني وليس ماديات الجريمة، فالجريمة ليست عبارة عن مظهر مادي خارجي، وإنما انعكاس لخطورة إجرامية كامنة لدى الجاني.
2- إنكار حرية الاختيار، والقول بأن المجرم مسير وليس مخير، فهو مدفوع لارتكاب الجرائم نتيجة خطورته الإجرامية، لذا فمسؤوليته لا تقوم على أساس حرية الاختيار، وإنما على فكرة الخطورة الإجرامية. حيث يرى أنصار هذه المدرسة أنه هناك خطرون وليس مذنبون، والخطر يجب أن يوضع في مكان لا يمكنه من الاعتداء على غيره، لذا يجب تقرير التدابير الاحترازية عوض العقوبات.
3- تصنيف المجرمين تبعا لعوامل الخطورة الإجرامية لديهم، وتقرير تدابير احترازية خاصة بكل طائفة من هذه الطوائف، فالمجرمين يصنفون إلى مجرم بالطبيعة، ومجرم معتاد، ومجرم بالعاطفة، ومجرم بالمصادفة، فالمجرم بالطبيعة والمجرم بالاعتياد مدفوعين إلى ارتكاب الجرائم بعوامل تكوينية، يستحيل شفائها، يتعين اتخاذ تدابير الإبعاد من المجتمع ضدهم، والمجرم المجنون فهو مدفوع إلى الإجرام نتيجة مرض عقلي، يتعين إيداعه إحدى دور الأمراض العقلية، والمجرم بالعاطفة هو المجرم الذي يندفع إلى ارتكاب الجريمة نتيجة عدم توازن في حالته العاطفية، يتعين أن يعوض أضرار الجريمة زيادة على توقيع تدابير احترازية عليه، والمجرم صدفة، وهو الذي دفعته لارتكاب الجريمة عوامل وظروف اجتماعية طارئة، وبالتالي يمكن إصلاحه بتدبير احترازي يعالج الظروف الاجتماعية التي دفعته لارتكاب الجريمة.
4- رد فعل المجتمع يجب أن يكون عبارة عن تدبير احترازي هدفه إما الإصلاح أو الإقصاء من المجتمع، لا على العقوبة الهادفة إلى الردع والقائمة على اعتبارات العدالة.
وإن كانت أفكار المدرسة الوضعية لم تطبق بالكامل في القوانين والنظم الجنائية، إلا أن بعض أفكارها كانت أساس للعديد من الأفكار القانونية، مثل منح القاضي السلطة التقديرية في تقدير العقوبة الملائمة لشخصية الجاني، وهو ما يسمى مبدأ تفريد العقاب الذي يعد من أهم المبادئ الجنائية المطبقة في كل التشريعات الجزائية الحديثة، وفكرة غرض العقوبة الإصلاحي والعلاجي التي أصبحت محور لسياسات تنفيذ العقوبات في التشريعات الوضعية.
الفرع الرابع: المدرسة التوفيقية (مدرسة الدفاع الاجتماعي)
أسفر الجدل الذي حصل بين المدرستين التقليدية والوضعية، إلى ظهور مدارس وسطية أو توفيقية، حاولت التوفيق بين آراء المدرستين، متفادية إسراف المدرسة الوضعية في دراسة المجرم على حساب الجريمة، وإنكار حرية اختياره تماما، وإفراغ العقوبة من معاني الردع تماما وتوجهها نوح الإصلاح والعلاج وحتى الإقصاء، وعلى النقيض من ذلك، مغالاة المدرسة التقليدية في الاهتمام بالجريمة دون المجرم، أي الاهتمام بالفعل دون الفاعل، وحرية إرادته، وإفراغ العقوبة من كل معاني الإصلاح والعلاج والتهذيب، وتوجهها فقط نحو تحقيق العدالة والمساواة والمنفعة الاجتماعية، ومن هذه المدارس الاتحاد الدولي لقانون العقوبات، والمدرسة الثالثة، والجمعية الدولية لقانون العقوبات، والمدرستان الفنية القانونية والاستنباطية، وحركة الدفاع الاجتماعي حديثاً[48].
وكانت من أهم المدارس التوفيقية، المدرسة الثالثة التي أنشأها في إيطاليا كارنفالي وأليمينا، والاتحاد الدولي لقانون العقوبات الذي أسسه فان هامل برنس وفون ليست[49]، ونقطة الاشتراك بين هذه المدارس، هي الاعتراف بحرية الإرادة لدى الجاني وإقامة المسؤولية الجنائية على أفكار التمييز والإدراك، وأن أهداف العقوبة متعددة، فهي تهدف إلى تحقيق الردع، كما تسعى إلى إصلاح الجاني وتهذيبه وعلاجه أيضا، لذا يمكن إقرار التدابير الاحترازية إلى جانب العقوبات التقليدية، وبذلك أصبحت الغلبة لأفكار المدارس التوفيقية في التشريعات العقابية الحديثة، بما فيها المشرع الجزائري، الذي أسس المسؤولية الجنائية على حرية الإرادة والتمييز والإدراك، حيث لا تقوم هذه المسؤولية في حالة صغر السن والجنون والإكراه ( المواد من 47 إلى 51 من تقنين العقوبات الجزائري)، ولإقراره للتدابير الأمنية إلى جانب العقوبات ( المواد 19-22 من تقنين العقوبات الجزائري). ومن بين أعهم المدارس التوفيقية، نجد مدرسة الدفاع الاجتماعي، ومدرسة الاتحاد الدولي لقانون العقوبات، الذين سنتناولهما
أولاً-مدرسة الدفاع الاجتماعي. الاهتمام بالشخص الجاني عوض الجريمة
وهي المدرسة التي تأسست على يد الفقيه الإيطالي جراماتيكا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أنشا مركزا للدراسات التي تتمحور حول فكرة أو نظرية " الدفاع الاجتماعي"، وأسس مجلة سميت ب " مجلة مؤتمرات الدفاع الاجتماعي" في إيطاليا سنة 1947، وفي بلجيكا سنة 1949، و1954، ونشرت سنة 1955 برنامجا تضمن الحد الأدنى لسياستها. وهي المدرسة التي تقوم أساسا حول الأفكار التالية:
1- يجب أن يكون هدف قانون العقوبات، حماية المجتمع من مخاطر السلوكات المجرمة، ولا أن تكون وظيفته مجرد القصاص من الجاني وتخويفه وترهيبه بالعقوبات، لذا يجب أن يتم إقرار وسائل أخرى إلى جانب العقوبات التقليدية، وهي تدابير الدفاع الاجتماعي، لتصبح العقوبة تدبيرا للدفاع الاجتماعي، وقانون العقوبات قانونا للدفاع الاجتماعي. وهي بذلك تدافع عن أفراد المجتمع كافة، بما فيهم الجناة ذاتهم، ولا تهتم كثيرا بالبحث في الأساس الفلسفي لمسؤولية الجاني.
2- تتقرر تدابير الدفاع الاجتماعي بدراسة علمية دقيقة تكشف أسباب انحراف الجاني لاختيار التدبير الملائم للتطبيق عليه.
3- إيلاء أهمية كبيرة لمتابعة الجاني ومساعدته بعد إخضاعه لتدابير الدفاع الاجتماعي، وذلك بتقديم الرعاية والمساعدة له للتغلب على الأسباب التي أدت به إلى الانحراف، وبذلك يمكن إعادة الإدماج الاجتماعي للمجرمين كأعضاء صالحين فيه.
4- كما يمكن تطبيق تدابير الدفاع الاجتماعي حتى قبل إقدام الشخص على ارتكاب الجريمة، وذلك من خلال الكشف المبكر عن الأشخاص الذين تتوفر لديهم نفسيا واجتماعيا عناصر يترجح معها ارتكابهم جرائم في المستقبل. بل الأكثر من ذلك، نادى جراماتيكا بالعديد من الوسائل التي يجب أن تبنى عليها السياسة الجنائية، لدرجة أنه انتقدت من زميله مارك آنسل الذي ظل فترة طويلة سكرتيرا عاما للحركة، واعتبر آراء جراماتيكا آراء شخصية متطرفة خاصة وأن الأول نادى بإلغاء قانون العقوبات.
ثانياً-مدرسة الاتحاد الدولي لقانون العقوبات.
وهو الاتحاد الذي تأسس سنة 1880 من قبل مجموعة من الفقهاء أهمهم: أدولف برنز، فون ليست، فان هامل، وأخذوا بأهم الأفكار التوفيقية بين المدارس السابقة، وتركزت فلسفته على دعامتين أساسيتين، هي أن مهمة قانون العقوبات الكفاح ضد الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية، وأن يراعي القانون الجنائي النتائج التي تسفر عنها الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، وهو ما يدل على الاتجاه العلمي للاتحاد الدولي ورفضهم التام لفكرة التسليم بالحتمية، وطالب هؤلاء الفقهاء رجال القانون بضرورة ألا يغرقوا في الأفكار الفلسفية، بل وجوب التفكير في الشعور الداخلي للفرد بحريته، رافضاً الخوض في مسألة حرية الإختيار باعتباره من الأمور الفلسفية[50]، وهي الأفكار التي أثرت في بعض التشريعات أهمها قانون الدفاع الاجتماعي البلجيكي الصادر سنة 1930، الخاص بالمجرمين الشواذ والعائدين، كما ظهرت حركات فقهية حديثة نتيجة أفكار هذا الاتحاد، أهمها الحركة التي ظهرت في إسبانيا باسم علم الإجرام الحديث.
المطلب الرابع: ظهور القانون الجزائي في الجزائر.
الجزائر من بين الدول التي عرفت تطورات كبيرة على مستوى قانون العقوبات، خاصة وأنها من الدول الإسلامية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية في مرحلة معينة من تاريخها، كما عرفت بعض التطورات في الفكر الجنائي نتيجة استعمارها من قبل الاحتلال الفرنسي ولفترة طويلة من الزمن، لتكون أهم المراحل المميزة لتطور قانون العقوبات في الجزائر، ثلاث مراحل، مرحلة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مرحلة تطبيق القانون الفرنسي، ومرحلة الاستقلال التي شهدت تطبيق قانون عقوبات وطني، وهو ما نتناوله في النقاط الثلاثة التالية:
الفرع الأول: مرحلة تطبيق القانون الفرنسي.
بدخول الاستعمار الفرنسي للبلاد واحتلالها سنة 1830، شرع في تطبيق تشريعاته ومنها قانون العقوبات الفرنسي، وتكرس ذلك فعليا مع صدور أمر سنة 1841 يقضي بتطبيق قانون العقبات الفرنسي على المسائل الجزائي في الجزائر، غير أن هذا التطبيق لم يكن بالطريقة التي يطبق بها في فرنسا، حيث عمد المحتل على إحداث أحكام تمييزية وبعض الجرائم الخاصة الذي لا يعرفها القانون الفرنسي نفسه، وهي جرائم جاءت بصيغة عامة وهادفة لمحاربة حركات التحرر ومعاداة الاستعمار وعنونت ب:" الأفعال المعادية للوجود الفرنسي في الجزائر"، وعرف تطبيق فكرة المسؤولية الجماعية المنافية لقواعد قانون العقوبات، حيث كانت تعاقب العروش بأكملها بغرامات جماعية عن كل فعل يمس بالاحتلال أو يعارض وجوده.
ثم تراجع المستعمر عن هذا التمييز سنة 1944 وألغى القوانين التميزية والاستثنائية وأخضع الجزائريين ( الأهالي) لقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية الفرنسيين، غير أنه مع اندلاع الحرب التحريرية، تراجع عن ذلك وظهرت من جديد القوانين الاستثنائية والقواعد التمييزية والعنصرية، وعرفت الجزائر عقوبات الاعتقال الإداري[51]، والمراقبة البوليسية والعقوبات الجماعية وإقامة المحاكم الاستثنائية وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية بشكل ليس معمولا به في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.
الفرع الثاني: مرحـــلة الاستقلال.
باستقلال الجزائر سنة 1962 عملت الجزائر على سن تشريعات مستقلة، غير أن المسألة استغرقت وقتا بالنظر للوضع الخاص الذي تمر به الدول المستقلة حديثا، حث لم يصدر قانون العقوبات الجزائري إلا سنة 1966، لذا استمر العمل بالقانون الفرنسي ما عدا ما تعارض منه مع السيادة الوطنية، بموجب القانون 62-157 المؤرخ في 31-12-1962 (المادة الأولى منه)، في الفترة الممتدة من 05-07-1962 لغاية 15 يونيو 1966 تاريخ دخول تقنين العقوبات الجزائري حيز التنفيذ. لكن دون أن يمنعه ذلك من إصدار بعض التشريعات التي واجه بها بعض الأوضاع الخاصة، كإصداره المرسوم 63-85 المؤرخ في 16-03-193 المتضمن قمع الجرائم المرتكبة ضد التشريع المتعلق باقتناء وحيازة وصنع الأسلحة والذخائر والمتفجرات، والكثير من المراسيم الأخرى التي هدف منها المشرع الحفاظ على الأمن في هذه الفترة الحساسة من تاريخ البلاد. ومع سنة 1966 أصدرت الجزائر قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية؛ وإن كان المشرع قد استمد غالبية أحكامهما من القانون الفرنسي، مع تضمينه خصوصيات المجتمع الجزائري ومراعاة اعتبارات إتباع الدين الإسلامي في البلاد، وحتى في بعض القواعد الموضوعية الأخرى مثل مسؤولية الشخص المعوي وقواعد الاشتراك والشروع في الجريمة.... وقد عدل قانون العقوبات الجزائري منذ صدوره لغاية سنة 2015 أكثر من سبعة عشر (17) مرة[52]. وما زلنا نسمع بأنه في طور المراجعة لغاية اليوم. هذا وبعد تناولنا أهم معالم قانون العقوبات، سنشرع في دراسة النظرية العامة للجريمة باعتبارها تمثل شق التكليف في القاعدة الجزائية، على أن نتبعه بنظرية المسؤولية الجنائية. ثم النظرية العامة للجزاء الجنائي.
الباب الأول: النظرية العامة للجريمة.
الباب الأول: النظرية العامة للجريمة.
تتألف النظرية العامة في القانون الجزائي من قسمين هما: الجريمة والعقوبة، وهذا التقسيم مستمد من مبدأ شرعية الجرائم العقوبات "لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير أمن إلا بنص قانوني"، وعليه سندرس تعريف الجريمة وتصنيفاتها؛ ثم دراسة مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وما يتبع هذا المبدأ من أحكام تتعلق بتفسير القانون الجزائي وتطبيقه في الزمان والمكان؛ ثم دراسة ركني الجريمة المادي والمعنوي[53].
لا تشير القوانين عادةً إلى تعريف الجريمة تاركةً ذلك للفقه، رغم تعدد محاولات الفقهاء لتعريف الجريمة[54]. فلم يعرف المشرع الجزائري الجريمة وقد أحسن صنعاً؛ بالرغم من أنه قد أضطُر في مواضيع عديدة من قانون العقوبات إلى التعريف بمصطلحات بدت له أهمية بيان المراد منها مثل تعريفه لمصطلح "القتل، قتل الأصول، قتل الأطفال، التسميم"[55]، وأحياناً كثيرة اكتفى المشرع بإيراد النصوص التي تبين الأفعال المعتبرة جرائم والعقوبات المقررة على ارتكابها[56]. وقد أدرك المشرع الجزائري حقيقة أهمية التغاضي عن تعريف الجريمة، فكل جريمة تعرف في موضعها؛ والتنوع في الجرائم لا يدع مجالاً لجمعها تحت تعريف واحد، كما أن مرور الزمن قد يجعل من التعريف مختلف عن الواقع المعاش بسبب التطور المُتسارع للأساليب الإجرامية ولأنماط التفكير الإنساني[57].
وقد تعددت محاولات الفقهاء لتعريف الجريمة؛ والتي يمكن حصرها في أحد الاتجاهين إما شكلي أو موضوعي، فالاتجاه الشكلي ربط تعريف الجريمة بالعلاقة بين الواقعة المرتكبة والقاعدة القانونية؛ فعرف الجريمة على أنها:"فعل يُجرم بنص القانون" أو هي:"نشاط أو امتناع يجرمه القانون ويعاقب عليه"، أما الاتجاه الموضوعي فحاول إبراز جوهر الجريمة باعتبارها اعتداء على مصلحة اجتماعية، وعليه فقد عرف الجريمة على أنها:"الواقعة الضارة بكيان المجتمع وأمنه"[58]. حيثُ يُرى صحة كل اتجاه فيما ذهب إليه لاختلاف وجهات النظر، فيما تُعرف الجريمة بوجه عام على أنها:" كل عمل غير مشروع يقع على إنسان في نفسه أو ماله أو عرضه أو على المجتمع ومؤسساته ونظمه السياسية و الاقتصادية وقد يقع على الحيوان"[59]، أو هي:"سلوك إرادي مجرم معاقب عليه بجزاء جنائي"[60]، فما يحول سلوك الشخص من فعل مرفوض اجتماعياً إلى جريمة هو النص القانوني الذي يحدد عناصر الجريمة والعقوبة المقررة لها، ولذلك يمكن تعريفها بأنها:"كل عمل أو امتناع يعاقب عليه القانون بعقوبة جزائية"[61]، أو هي: " كل سلوك يمكن إسناده إلى فاعله يضر أو يهدد بالخطر مصلحة اجتماعية محمية بجزاء جنائي"[62].
يتضح من هذا التعريف بأن الجريمة سلوك يتسع لأن يكون فعلاً يَنهى عنه القانون؛ أو امتناع عن فعل يأمر به القانون؛ على أن يكون هذا الفعل مما يمكن إسناده إلى فاعله، أي يكون صادر عن إنسان يمكن الاعتداد بإرادته قانوناً ( إرادة سليمة مدركة ومُميزَة؛ وغير مُكرهة ) مع وجود صلة بين هذه الإرادة والواقعة المرتكبة[63].
الفصل الأول: تصنيف الجرائم.
المبحث الأول: تصنيف الجرائم علـــــى حســـــب خطورتهـــــا.
ما هي الأسس التي يعتمد عليها المشرع في تحديد العقوبات اللازمة لكل جريمة؟
تختلف أهمية الجريمة بصفتها إعتداء على المجتمع بقدر الضرر الذي يلحق بهما أو الخطر الذي يشكله الفاعل، وبناءا على ذلك فالجرائم التي تقع على حياة الإنسان أخطر الجرائم وعلى رأسها جريمة القتل العمدي وتأتي جرائم العرض ثم جرائم المال.
والجرائم الواقعة على السلامة العامة والمؤسسات من أخطر الجرائم لما لها أثر على المجتمع كله، لكن معيار الضرر أو الخطر ليس وحده المعيار الوحيد، بل هناك عوامل شخصية أو نفسانية مؤثرة ولذلك كان لزاما الرجوع إلى معيار موضوعي.
المطلب الأول: العقوبة كمعيــــار للتصنيـــف.
صنف المشرع في المادة 27 ق.ع، الجرائم إلى ثلاثة أصناف: الجنايات، الجنح، المخالفات[64]، معتمدا في ذلك العقوبة كمعيار للتصنيف. فحددت المادة 5/1 ق.ع ، العقوبات الأصلية المقررة في المواد الجنايات كالتالي: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت لمدة تتراوح من5 إلى 20 سنة.
وحددت المادة 5/2 ق.ع ، العقوبات الأصلية المقررة في المواد الجنح كالتالي: الحبس مدة تتجاوز من شهرين إلى 5 سنوات، ما لم يقرر القانون حدودا أخرى. غرامة مالية تتجاوز 20.000 دج
وحددت المادة 5/3 ق.ع ، العقوبات الأصلية المقررة في المواد المخالفات كالتالي: الحبس من يوم واحد إلى شهرين على الأكثر؛ غرامة مالية من 2000 دج إلى 20.000 دج.
كما انه من الجائز أن يعاقب بجناية أقل من 5 سنوات في حالة استفادة المتهم بظروف التخفيف عملا بأحكام المادة 53 ق.ع، حيث بالإمكان النزول بالعقوبة إلى 3 سنوات إذا كانت العقوبة المقررة جزاءا للجناية هي السجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة[65].
المطلب الثاني: أهميـــة التصنيـــف.
الفرع الأول: بالنسبة للاختصاص.
تختص محكمة الجنايات دون سواها بالنظر في القضايا المكيفة جنايات، ويختص قسم الجنح للمحكمة للبث في قضايا الجنح، ويختص قسم المخالفات في المحكمة بالفصل في قضايا المخالفات
الفرع الثاني: بالنسبة للإجراءات.
التحقيق القضائي يكون إلزاميا في مواد الجنايات وجوازياً في الجنح (حسب سلطة الملائمة لوكيل الجمهورية) واستثنائيا في المخالفات، المادة 66 ق.إ.ج.ج [66].
الفرع الثالث: من حيث الشروع (المحاولة) في الجريمة
الشروع في الجناية كالجناية نفسها، والشروع في الجنح غير معاقب عنه (عليه)، إلا بناءا على نص صريح في القانون.
الفرع الرابع: بالنسبة للإشتراك.
الاشتراك في الجنايات والجنح معاقب عليه بنفس العقوبة المقررة للجناية أو الجنحة، ولا يعاقب على الاشتراك في المخالفات.
الفرع الخامس: من حيث تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة.
أولاً: من حيث تقادم الدعوى العمومية
·
|

· تتقادم الدعوة العمومية في الجنح بثلاث (03) سنوات
· تتقادم الدعوة العمومية في الجنايات بعشرُ (10) سنوات.
ثانياً: من حيث تقادم العقوبة.
|
·
تتقادم
العقوبة في المخالفات بسنتين (02)
· تتقادم العقوبة في الجنح بخمس (05) سنوات
· تتقادم العقوبة في الجنايات بعشرين (20) سنة.
التقادم هو سكون الدعوة العمومية أي عدم القيام بأي إجراء. ولا تنقضي الدعوى العمومية بالتقادم في:
الجنايات والجنح الموصوفة بأعمال إرهابية؛ الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية؛ الرشوة؛ إختلاس أموال عمومية. ولا تنقضي الدعوى المدنية في الجنايات والجنح المنصوص عليها سابقا
ثالثاً: فيما يتعلق بوقف تنفيذ العقوبة
هو جائز في المخالفات دون قيد أو شرط؛ وفي الجنايات والجنح يشترط لتطبيقه أن لا يكون المتهم قد سُبق الحكم عليه بالحبس من أجل جنحة أو جناية من جرائم القانون العام؛
الفرع السادس: من حيث المحاكمة[67].
المحاكمة في الجنايات والجنح وجوبية، يجب أن تتم في جلسات علنية، ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك، لأسباب تخص النظام العام والآداب العامة. أما في المخالفات فينص القانون على حالات يبث فيها القاضي بأمر جزائي، يصدر ها دون مرافعة مسبقة. في الجنايات يكون حضور المحامي وجوبيا، أما في المخالفات والجنح فالمحامي غير إلزامي.
الفرع السابع: من حيث الاستئناف.
الاستئناف جائز في كل الجنح؛ غير جائز في الجنايات (هذا ما كان سابقا)، أما في التعديل الأخير لسنة 2016، فقد أصبح جائزا، وغير جائز في بعض المخالفات التي تتجاوز العقوبة المقررة لها خمسة (05) أيام أو الحكم بغرامة لا تفوق 100دج وكذا الأوامر الجزائية[68].
التقـــادم Les Prescriptions |
|||||
في الدعوة العمومية (سنة) Prescription de l'Action Publique |
في العقوبة (سنة) Prescription de la peine |
||||
جنايـــات |
جنــــح |
مخالفـــات |
جنايـــات |
جنــــح |
مخالفـــات |
10 |
03 |
02 |
20 |
05 |
02 |
الفصل الثاني: أركان الجريمة.
لا تقوم الجريمة إلا بتوافر أركان ثلاثة هي: الركن الشرعي L’élément légal والركن المادي L’élément Matériel والركن المعنوي L’élément Moral
فتتبلور الجريمة وتتخذ شكلا معينا (الركن المادي)، والذي هو المظهر الخارجي لنشاط الجاني والمتمثل في السلوك الإجرامي الذي يكون محلا للعقاب، هذا الركن لا يكفي لوحده لإسناد المسؤولية، بل يجب أن تتجه إرادته وبمعرفة تامة إلى إظهار الجريمة إلى حيز الوجود بمعنى تتوفر لديه النية الإجرامية التي تشكل الركن المعنوي والذي قد يتخذ صورة الخطأ الناتج عن الإهمال، وهذا إضافة إلى نص قانوني يجرم الفعل، إذ لا جريمة بغير نص قانوني، فالنص يحدد مواصفات الفعل المعتبر جريمة و بدونه يعتبر الفعل مباح ففي بعض الأحيان نجد أن النص يُقر بأن الفعل غير مشروع، وفي نص آخر يجعله مباحا ومشروعا وبالتالي من وجود نص يجرم الفعل وليس خاضع في نفس الوقت إلى سبب من أسباب الإباحة، وقد إختلف الفقه حول ما إذا كان النص القانوني ركنا أم لا؟
المبحث الأول: الركن الشرعي للجريمة.
تختلف الأفعال المادية باختلاف نشاطات الإنسان ولهذا يتدخل المشرع في تحديد فئة من الأفعال الخطيرة أو الضارة بالمجتمع، فينهي عنها بنص قانوني جزائي فيجرم هذا الفعل، ما عدا هذا يبقى الإنسان حر في تصرفه ما لم يلحق الضرر بالغير، فالنص القانوني مصدر التجريم فلا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير أمن بغير نص شرعي وهذا ما يعرف بمبدأ الشرعية.
المطلب الأول: مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
يقصد بمبدأ الشرعية في مجال القانون الجزائي أن له قانون مكتوب لأنه محكوم بقاعدة "لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص"[69]، بخلاف فروع القوانين الأخرى التي تضيف إلى نص القانون مصادر أخرى كالعرف والشريعة الإسلامية. نشأ هذا المبدأ في القرن 18 لأن القضاة كانوا يخلطون بين الجريمة والرذيلة الأخلاقية والمعصية الدينية، وقد نص على المبدأ لأول مرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن عام 1789 (المواد 5-8 منه)، وقد تم تطبيقه في المادة الأولى من قانون العقوبات الجزائري.
وقال الفقيه بيكاريا إن إصلاح القضاء يقتضي حرمانه من سلطته المطلقة وذلك بتقييد القاضي بنص مكتوب يحدد الجريمة وعقوبتها، وبالتالي يجب أن تكون النصوص واضحة حتى لا يجد القاضي في غموضها منفذا لتجريم ما هو مباح[70].
إنتقــاد مبـــدأ الشرعيــة
§ أُنتقد هذا المبدأ، حيث أنه يحدد العقوبة على أساس الجريمة، دون النظر إلى شخص الجاني، ونادى أنصار هذا الرأي إلى تقسيم المجرمين بدلا من تقسيم الجرائم.
§ أنه مبدأ رجعي وجامد؛ يجعلنا عبيد للنص الوضعي ويفسح المجال للمجرمين من التهرب من المسؤولية الجزائية، حيث يستفيدون من الثغرات القانونية[71].
§ إن المشرع لا يتسنى له تقدير العلاج المناسب للمتهم، وإنما هذا من صميم العمل القضائي (أي أن المشرع ليست له دراية كافية كدراية القاضي الذي هو في الميدان).
§ إن هذا المبدأ هو مبدأ رجعي وجامد، يجعل الإنسان عبدا للنص المًشَرَع (الوضعي)، ولا يفسح مجالا للمجرمين للتهرب من المسؤولية الجنائية (الجزائية)، حيث سيستفيدون من الثغرات في القانون، فالمشرع لا يستطيع سلفا كل الأفعال الخطيرة الواجب حصرها وتجريمها، وهو مبدأ عاجز على مواكبة التقدم العلمي والوسائل المستجدة والمستعملة في إقتراف الجرائم من قِبل المجرمين.
§ من عيوب هذا المبدأ، قد يرجع إلى نص التشريع نفسه، فقد لا نستطيع أن نتبين التعريف الدقيق للعمل الإجرامي، نتيجة للنصوص التشريعية الغامضة أو الفضفاضة، في حين لا يُسمح للقاضي في التفسير الواسع للنص الجزائي أو القياس، مما يجعله في حيرة من أمره، وهذا يؤدي إلى تعطيل النصوص التشريعية وتهرب الجناة من العقاب ويجعل القاضي مقيدا وعاجزا عن تجريم بعض الأفعال التي تهدد أمن المجتمع وإستقراره.
فبفضل هذه الانتقادات تراجعت معظم التشريعات عن نظام العقوبات المحددة بما فيها التشريع الجزائري إلى نظام تفريد العقوبة، فأصبحت العقوبة تتراوح بين حّد أدنى وحّد أقصى، والأخذ بالظروف المخففة ويوقف تنفيذ العقوبة. إن هذا المبدأ يجعل القاضي عاجزا عن مواجهة العابثين بالأمن لعدم وجود نص يجرم سلوكهم.
المطلب الثاني: مجال تطبيق مبدأ الشرعيـة.
ينطبق على تعريف الجرائم وتحديد العقوبات وتدابير الأمن، وعلى السلطات الثلاث مراعاة هذا المبدأ، فلا يجوز التجريم دون نص أو بالقياس، فالتجريم والعقاب من اختصاص السلطة التشريعية، فلا تملك السلطة التنفيذية مباشرة هذا الاختصاص، ولذلك:
D يقتضي مبدأ الشرعية أن تكون الجريمة محددة والتجريم واضح (تبيان الظروف التي يكون فيها معرض للعقاب)، كأن يسرق دون اختلاس وإنما حيازة أو بدون نية التملك (المادة 350 ق.ع.ج)
D التفسير الضيق للنص الجزائي: فلا يجوز للقاضي التفسير لخلق جرائم تخرج عن نطاق نص القانون، فإذا كان النص واضحا فعلى القاضي تطبيقه، عملا بمبدأ "لا إجتهاد مع صراحة النص"[72].
D لا يحق للقاضي الإمتناع عن تطبيق النص بحجة أنه غامض، وإلا أُعتبر ذلك نكرانا للعدالة.
D يطبق هذا المبدأ على العقوبات بأن يتولى المشرع التنصيص (النص) على عقوبة معينة لكل تجريم، فلا يجوز للقاضي أن ينطق بغير ما هو منصوص عليه من عقوبات وفي نطاق ما رسمه القانون من حدود، لكن يجوز له الحكم بعقوبة تفوق الحّد الأقصى وهذا في حالة العود (المواد 54-59 ق.ع.ج) وله النزول في الظروف المخففة، ويطابق مبدأ الشرعية على التدابير الأمنية، أي على من هم في وضع خطير، ويجب أن تتضمن حالة الخطورة ركنا ماديا، بحيث يكون الاعتماد في احتمال ارتكاب الجريمة لاحقا مبنيا على وقائع سابقة ومحددة بدقة، يستطيع القاضي أن يؤسس عليها حكمه، وتستخلص الخطورة من أسباب ذاتية كالإدمان على المخدرات أو الكحول أو الخلل العقلي، هذا الركن المادي يتعين أن يكون مضمنا في نص يشكل الركن الشرعي لمعرفة الفرد مسبقا أن تصرفه كفيل بأن يُعتبر بأن يعتبر حالة خطورة محتملة من شأنها أن يطبق عليها تدابير الأمن، فنصَ المشرع الجزائري في المادة 21 ق.ع.ج، على الحجز القضائي (بالنسبة للمختلين عقليا)، المادة 22 ق.ع.ج، تكلمت على الوضع القضائي (بالنسبة للمدمنين على الكحول والمخدرات).
وخلاصة أنه لا يعيب هذا المبدأ ما وُجهَ إليه من نقد، فهو قائم على تجاوزه بالاعتماد على فطنة المشرع ومرونة النص وسيقبل المبدأ الضمانة الأكيدة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم أمام تحكم القضاة أو تعسف الإدارة، كما أن هذا المبدأ يُعتبر ضمانة لاستقرار القضاء ونزاهته فهو إذ يحمي الأفراد، يحمي السلطة القضائية من طغيان السلطة التنفيذية عليها.
المطلب الثالث: نتائج مبدأ الشرعية.
1. حصر مصادر التجريم والعقاب وتدابير الأمن في النصوص التشريعية.
2. إلتزام التفسير الكاشف للنصوص
3. حضر القياس[73].
المبحث الثاني: الركــن المادي للجريمة.
يقصد بالركن المادي للجريمة ما يدخل في البناء القانوني للجريمة من عناصر مادية ملموسة، يمكن إدراكها بالحواس، فيعاقب القانون على الأفعال المادية التي تتطابق مع النص القانوني (نص التجريم)، واتي تكون ماديات الجريمة، فلا يعاقب القانون على النوايا والأفكار رغم قباحتها أو مهما كانت شريرة ما دامت محبوسة في نفسية الجاني ودون أن يُعبر عنها بفعل مادي ملموس، ينتج أثره في العالم الخارجي بفعل أو بإمتناع، ذلك أن مجرد التمني الذي لا يرافقه فعل مادي لا ينتج أثرا، ولا يصيب حقا من الحقوق المحمية بعدوان. فالركن المادي في جريمة القتل هو إتيان السلوك أو الإمتناع عن فعل يسبب إزهاق الروح ويرد هذا السلوك على جسم الإنسان حي، يترتب عليه نتيجة هي الوفاة على نحو يعتبر فيه هذا السلوك سببا في إحداث هذه النتيجة، هكذا يتحلل الركن المادي إلى عناصر ثلاثة (03) هي: السلوك الإجرامي، النتيجة، والعلاقة السببية Le Lien de Causalité (بين السلوك الإجرامي و النتيجة). فهذه هي العناصر العامة كأصل عام لكل جريمة، مع وجود جرائم لا تعد النتيجة عنصرا لازما في ركنها المادي، مثل: حمل السلاح بدون رخصة. فالسلوك المادي لجريمة القتل مثلا: يتمثل في الطلقة النارية أو الطعن بالخنجر، وقد لا ينتج الفعل أثره ورغم ذلك يُشكل ركنا ماديا كحالتي الشروع في الجريمة والجريمة الخائبة.
المطلب الأول: عناصر الركن المادي.
الفرع الأول: السلوك (الفعل، العمل) الإجرامي.
هو التعبير الحقيقي عن الإرادة الكامنة للجاني[74]، كما يُقصد به السلوك لمادي الصادر عن إنسان والتي يتعارض مع القانون والسلوك هو أهم مكونات الجريمة وأكثرها إفصاحا عن مخالفة الجاني لنواهي القانون، فقد يكون الركن المادي عملا إيجابيا أو سلبيا، وقتيا (آنيا) أو مستمرا، عملا واحدا أو متكررا.
أولاً: الجريمة الإيجابية (جريمة الفعل).
القاعدة العامة، أن القانون ينهى عن ارتكاب الأفعال التي تشكل خطورة على المجتمع، فيقرر عقابا لمن يرتكبها والتي تشكل الجرائم الإيجابية ومعظم الجرائم المقررة في قانون العقوبات هي إيجابية، وهي التي تقرر معاقبة الإقدام عليها بفعل إيجابي وهو بذلك يمثل الركن المادي.
ثانياً: الجريمة السلبية (جريمة الامتناع).
قد يأمر المشرع الجزائري بالإقدام عن عمل ويقرر العقوبة لمن يمتنع، متخذا موقفا سلبيا، وتوصف هذه الأفعال بالسلبية مثال:
- إمتناع شاهد عن الحضور أمام محكمة الجنايات أو أمام قاضي التحقيق (المادة 97 ق.ع.ج)
- عدم الإبلاغ عن جناية (المادة 181 ق.ع.ج)
- عدم تقديم مساعدة لإنسان في حالة خطر (المادة 182/2 ق.ع.ج)
- نكران العدالة (المادة 136 ق.ع.ج)
- ترك الأسرة (المادة 350 ق.ع.ج)
- عدم تسديد النفقة (المادة 47 ق.ع.ج)
- التخلي عن طفل في مكان غير آهل بالسكان (المادة 314 ق.ع.ج)
- عدم التصريح بميلاد طفل لدى الحالة المدنية (المادة 442 ق.ع.ج)[75].
ثالثاً: جريمــة الفعــل بالامتنــاع.
إذا كان من السهل التمييز بين الجريمة السلبية والجريمة الإيجابية، فإنه قد يشكل صعوبة في التعرف على ما قد يُشكل مجرد إمتناع جريمة إيجابية، فلا جريمة إيجابية بالامتناع باستثناء حالات نص عليها القانون صراحة، مثلا: منع عمدا عن قاصر الطعام أو العناية إلى حّد الذي يعرض صحته للضرر[76].
الفرع الثاني: النتيجة.
تعتبر النتيجة العنصر الثاني من الركن المادي للجريمة التي يتطلب المشرع وجودها في الفعل المرتكب، ويقصد بالنتيجة الأثر المادي المترتب عن السلوك الإجرامي.
أولاً: المفهـــوم المــادي للنتيجـــة.
هو الأثر المادي الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي، فالسلوك قد أحدث تغييرا حسيا ملموسا، مثل: انتقال الحيازة في جريمة السرقة، ويرتكز على ما يعتدُ به المشرع بغض النظر عن النتائج الأخرى، فالنتيجة الطبيعية التي تهمنا هي النتيجة التي يتطلبها المشرع لاكتمال الركن المادي. ففي جريمة القتل يتطلب موت المجني عليه دون الإعتداد بالنتائج الأخرى كالخسارة المادية التي تصيب الضحية أو ألم نفسي.
ثانياً: المفهـــوم القانونــي للنتيجـــة
فهو يمثل ما يسببه سلوك الجاني من ضرر أو خطر يصيب أو يهدد مصلحة محمية قانونا، وعلى هذا الأساس تكون النتيجة القانونية في الجريمة القتل هي الحق في الحياة. وفي المفهوم القانوني يمكن لنا أن نقول حتى أن جرائم السلوك بحسب المفهوم القانوني لها نتيجة، لأنها لا تخلو من خطر يهدد مصلحة محمية قانونا، فجريمة حمل السلاح بدون رخصة لها نتيجة تتمثل في تعريض مصلحة الناس في أمنم وسلامتهم وإستقرارهم. ولذلك قسم الفقهاء الجرائم إلى:
§ جرائم الضرر = الجرائم المادي
§ جرائم الخطر = الجرائم الشكلية
ما يؤخذ به هو:
§ المدلول المادي للنتيجة بإعتبارها عنصرا في الركن المادي يستلزم القانون توافره لإتمام الفعل.
§ المدلول القانوني للنتيجة في الركن الشرعي للجريمة.
وهذا المدلول المادي للنتيجة يوضح لنا صور الركن المادي للجريمة، مما يسهل لنا التمييز بين الجريمة التامة والشروع فيها.
الفرع الثالث: العلاقــة السببيــة.
لكي يُسأل الجاني على النتيجة لا بد أن يكون فعله هو الذي أدى إلى نتيجة، فهي الصّلة التي تربط بين السلوك والنتيجة وتوافر السببية مرهون (متوقف) بتوافر عنصري الركن المادي وهي تقتصر على الجرائم ذات النتيجة، دون الجرائم الشكلية (جرائم السلوك). لا يُثار أي إشكال إذا إتضح أن الفعل هو سبب النتيجة، كمن يطلق النار على شخص فيَرُده قتيلا، لكن الأمر ليس بسيطا في بعض الحالات خاصة إذا تأخرت النتيجة عن الحدوث أو تداخلت أسباب أخرى أو عوامل أخرى، فقد يصدر السلوك المتجه لتحقيق النتيجة ضمن ظروف سابقة أو معاصرة أو لاحقة قد تعجل أو تعطل أو تجعل النتيجة تحدث على نحو آخر، فيثار التساؤل حول هذه الظروف ومدى تأثيرها على العلاقة السببية.
ونظرا لأن هذه الظروف المحيطة بالواقعة عديدة ومتنوعة ففيها السبب الضعيف والسبب القوي والسبب المألوف والسبب الشاذ، منها ما هو ظاهر وما هو خفي، فتعدد الآراء في هذه المسألة خاصة في غياب نص تشريعي. وسنتعرض لأهم هذه النظريات التي أسماها الفقهاء النظريات السببية.
أولا: نظريـة تعــــادل الأسبــــاب.
ترجع هذه النظرية النتيجة إلى جميع العوامل التي ساهمت في إحداثها، وما دام أن فعل الجاني واحد من هذه الأفعال، فقد ساهمت في إحداث النتيجة ولو تفاعل مع عدة أسباب وسيان في ما إذا كان الفعل الجاني هو العامل الأهم أو الأقل أهمية، فكلا الأسباب تقف على قدم المساواة وحجة هذا الرأي بأن العوامل المعاصرة أو اللاحقة ما كانت لتحدث النتيجة لولا فعل الجاني، إضافة إلى أن العوامل الشاذة لا تقطع رابطة السببية بشرط أن يبقى الفعل الجاني ضمن العوامل التي تساعد على فعل النتيجة ولو بقدر ضئيل، أما إذا كانت العوامل الشاذة ستحقق النتيجة حتما بغض النظر عن الفعل الجاني فالعلاقة السببية هنا تنقطع[77].
نقــد هــذه النظريــة
أنها جاءت بمعيار سهل، إذ يكفي أن يكون السلوك ضمن بقية العوامل حتى نقول بتوافر علاقة السببية، ولهذا السبب فقد تعرضت للنقد، فهي تساوي بين العوامل المختلفة وهذا غير منطقي لأننا سوف نضع السببين الضعيف والقوي على قدم المساواة.
ثانياً: نظريـــة السبـــب المنتــج
فالجاني حسبهم لا يُسأل عن النتيجة التي حدثت إلا إذا كانت متصلة اتصالا مباشرا بفعله، فرابطة السببية تبقى قائمة ما دام فعل الجاني هو الأقوى أو السبب الأساسي في حدوث النتيجة، هذا فيما إذا قورن مع الأسباب الأخرى، لأن هذا الفعل الذي اقترفه الجاني قادر بعد استبعاد العوامل الأخرى الشاذة والمألوف منها على تحقيق النتيجة أم لا؟ أذا كان قادر على تحقيق النتيجة فيعني أن علاقة السببية متوفرة، أما إذا لم يحقق هذا العامل النتيجة، فلا يُسأل الجاني، فهذه النظرية تغلب مصلحة المتهم على مصلحة الضحية على خلاف نظرية تعدد الأسباب، فلا يسأل إلا إذا فعله الأقوى من بين الأسباب، قد يُفلت من المسؤولية في حالة مشاركة أسباب متساوية أو أشد من فعله.
نقــد هــذه النظريــة
هي تسيء مركز الضحية وتراعي مصلحة المتهم، وقد تؤدي إلى إفلات المتهم من المسؤولية، إضافة إلى أنه من غير الممكن أو من الصعوبة بما كان أن يتفرد في مثل هذه القضايا سبب واحد بإحداث النتيجة، إضافة إلى أنه لا يجوز استبعاد العوامل الأخرى لكونها أقل شدة، ناهيك عن صعوبة إيجاد المعيار المناسب الذي يدلنا على السبب الأشد أو المنتج أو الفعال. وقد أخذ القضاء الفرنسي بهذه النظرية في جرائم القتل العمدي وذلك لمن تتطلب مثل هذه الجرائم من الحيطة والتشديد نظرا لخطورة العقوبة.
ثالثاً: نظريـــة السبـبيــة الملائمــة.
وتسمى كذلك "نظرية السبب الملائم"، ولعلها أفضل النظريات وبمقتضاها يكون الجاني مسؤولاً عن إحداث النتيجة إذا كان باستطاعة الفعل أن يؤدي بحسب المجرى العادي للأمور لإحداثها وضمن الظروف والعوامل العادية المألوفة[78] التي أحاطت بالفعل وتداخلت معه. والسؤال المطروح هو: هل يستطيع الفعل ضمن العوامل العادية والمألوفة أن يؤدي إلى إحداث النتيجة أم لا؟ على أن دخول عوامل شاذة ومساهمتها في إحداث النتيجة تقطع رابطة السببية وتجعل الجاني غير مسئول عنها؟ فالجاني يُسأل عن فعله وعن الأفعال المألوفة ولا يُسأل عن الأفعال الشاذة.
فالعوامل المألوفة هي العوامل التي كان الجاني على علم بها أو يستطيع أن يعلم بها (كالطبيب) أو يتوقع حدوثها حسب المجرى العادي للأمور، وتعتبر عوامل شاذة العوامل المفاجئة التي لم يكن الجاني يعلمها أو يمكنه توقعها[79]، كمن يعلم بأن خصمه مريض أو يتوقع ذلك حسب الظروف، ويُقدم على الاعتداء عليه يكون مسؤولا عن النتيجة ولو ساهم المرض في إحداث تلك النتيجة، وذلك لأن السبب (المرض) الذي تدخل لم يكن عاملًا شاذًا، بل مألوفًا، لأنه على علم به، أو يمكن توقعه، لكن من يُقدم على ضرب شخص دون علم بمرضه، أو لا يمكن أن يتوقع ذلك، إذ لا تفيد ظروف الحال باحتمال وجود المرض، فهنا يُسأل عن النتيجة إذا حدثت بسبب المرض لأن المرض الذي تدخل لم يكن عاملا مألوفا بل شاذًا، لأن الفاعل لم يكن يعلم ولم يكن بوسعه أن يعلمه أو يتوقعه.
نقــد هــذه النظريــة
هذه النظرية توسطت النظريتين السابقتين، فهي لا تأخذ بجميع العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة على قدم المساواة (نظرية تعدد الأسباب)، كما لم تستبعد جميع العوامل التي ساهمت إلى جانب فعل الجاني (نظرية السبب المنتج)، بل قامت بحصر العلاقة السببية في نطاق معقول فهي تحقق بذلك العدالة، فهي تميز بين العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة وتأخذ بالعوامل المألوفة فقط، لكنها اُنتقدت لأنها نظرية تحكمية تستبعد بعض عوامل بدون منطق وهي عوامل ساهمت فعلا في إحداث النتيجة. كما أنها أخلطت بين الركن المادي والمعنوي لاعتمادها على فكرة التوقع، وبالرغم من هذه الانتقادات تبقى هذه الأخيرة غير حاسمة وتبقى هذه النظرية هي السائدة على العموم في الفقه والقضاء.
المطلب الثاني:التمييـــز بيـن الجرائــم بناءا على الركــن المـــادي.
تتميز إما بناءا على طريقة تنفيذها المادي، أو بناءا على نتيجتها، أو بناءا على زمن معاينتها المادية.
الفرع الأول: الجريمــة الآنيــة والجريمــة المستمــرة.
قد تكتمل عناصر الجريمة في اللحظة التي تقع فيها (الفعل + النتيجة + العلاقة السببية تكتمل في لحظة واحدة)، مثل جريمة القتل، وقد يستمر العمل الإجرامي زمنا أو يتكرر[80]، ومبدأ التمييز بينهما هو:
أولاً: الجريمــــة الآنيــــة.
يقوم فيها الجاني بفعل مادي يبدأ و ينتهي في فترة زمنية محددة، فهي التي لا يستغرق وقوعها غير برهة يسيرة أو وقتاً محدود حتى تتم الجريمة[81]، فيتحدد بذلك تاريخ ارتكابها ومعظم الجرائم هي آنية مثل: (سرقة، ضرب، القتل...)، فالنتيجة فيها لا تستمر والمهلة تشكل عنصرا مكونا لأركانها في بعض الأحيان، كجريمة عدم تسديد النفقة، فهي آنية رغم كونها تقتضي عدم تسديد النفقة لمدة تزيد على شهرين (02).
ثانياً: الجريمــــة المستمــــرة.
فتستلزم نشاطا إيجابيا أو سلبيا يستغرق فترة من الزمن وفيها يستمر الفعل الإجرامي ويتكرر فترة زمنية معينة، أي يستغرق ارتكاب ركنها المادي وقتاً طويلاً[82]، مثل: الحجز التعسفي، البناء بدون رخصة الذي يبدأُ ببدء الأشغال ويظل قائما خلال تنفيذ فترة الأشغال إلى نهايتها كليا.
وهناك مسألة الجريمة المتكررة وفيها الجريمة الآنية بطبيعتها ولها خصائص الجريمة المستمرة، مثل: سرقة الأجير لمستخدمه على دفعات، فاعتبرت جريمة آنية كون العمل الأول يشكل بمفرده جريمة معاقب عليها.
ثالثاً: التفرقة بين الجريمــة الآنيــة والجريمــة المستمــرة
هناك فائدة في التفرقة بين الجريمة الآنية والجريمة المستمرة:
D من حيث التقادم: يبدأ حساب تقادم الجريمة الآنية من يوم ارتكاب الفعل، والجريمة المستمرة يبدأ من يوم انتهاء الفعل الإجرامي.
D من حيث سريان تطبيق النص الجديد: فالجريمة الآنية يحكمها القانون الساري وقت ارتكاب الجريمة، أما المستمرة فيحكمها القانون الجديد إذا ما بدأ العمل في ظل القانون القديم واستمر بكل أركان الجريمة في ظل القانون الجديد.
D من حيث الاختصاص: يؤول الاختصاص في الجريمة الآنية إلى محكمة واحدة، أما المستمرة، فيمكن أن تختص بها عدة محاكم إذا أرتكب الفعل في مكان واستمرت في أمكنة أخرى.
الفرع الثاني: الجرائــم البسيطــة وجرائــم الاعتيــاد.
أولاً: الجرائــم البسيطـــة.
الجرائم البسيطة تتكون من عمل واحد أو امتناع واحد ومنعزل عن باقي الأفعال الأخرى، كالسرقة التي تتم بالاستيلاء على مال الغير.
ثانياً: جرائــم الإعتيــاد
أما جرائم الاعتياد يستلزم وجود عدة أفعال متشابهة محظورة قانونا، كجريمة الاعتياد على التسول. وتتحقق وإن لم يكن ضحاياها مختلفون، و يكفي فعلان (02) لتكوين الاعتياد.
ثالثاً: التفرقة بين الجرائـم البسيطــة وجرائــم الاعتيــاد
الجرائم على العموم بسيطة، أما جرائم الاعتياد فهي قليلة وفيها لا يكتفي المشرع بحصول الواقعة المادية مرة واحدة لتمام الجريمة بل تتطلب التكرار كما في جريمة التسول[83]، وهناك فائدة للتفرقة بينهما:
D من حيث التقادم: يبدأ السريان في جريمة الاعتياد من يوم تمام آخر عمل مشكل للاعتياد، والبسيطة من يوم ارتكاب الجريمة .
D من حيث تطبيق القانون الجديد: في جريمة الاعتياد يطلق القانون الجديد حتى وإن كان أكثر شدة من القديم إذا ما كان آخر عمل مكون لها قد ثم لاحقا لبدأ سريان القانون الجديد.
الفرع الثالث: الجريمــة البسيطــة و الجريمــة المركبــة في ذاتهــا
الجريمة المركبة وجريمة الاعتياد يشتركان في كونها يتطلبان عدة أعمال مادية، لكن تختلف المركبة عن الاعتياد في كون المركبة تتطلب عدة أعمال مادية مختلفة ومنسقة وتسهم في بلوغ غاية واحدة، مثل: جريمة النصب التي تتكون من عملين ماديين وهما المناورة التدليسية والتوصل إلى استلام الشيء. مثال: أن الشخص على علم بأن حسابه فارغ وقام بتحرير الشيك ووضعه للتداول، فالنتيجة هنا هي: إصدار شيك بدون رصيد (الفعل الأول + الفعل الثاني يشكلان جريمة).
فائــدة التفرقــة بين الجريمــة البسيطــة و الجريمــة المركبــة في ذاتها
هناك فائدة للتفرقة بينهما:
- من حيث إختصاص المحاكم: الجريمة المركبة تتم بعدة أعمال متتالية فمن المحتمل أن تكون عدة محاكم مختصة في البث فيها.
- من حيث التقادم: سريان التقادم يكون من يوم إرتكاب آخر عمل مكون للجريمة.
- على أساس النتيجة المادية: والتي تكون فيها النتيجة عنصر من عناصر الجريمة، بحيث لا تنفذ إلا بتحقق الضرر والجريمة الشكلية تتحقق وإن لم تتحقق النتيجة.
- على أساس لحظة معاينتها: الجريمة المتلبس بها: وهي المرتكبة في الحال أو عقب ارتكبها. أما الجريمة غير المتلبس بها: وهي المرتكبة منذ زمن معين[84].
المطلب الثالث: الشروع في الجريمة.
ليس من الضروري أن يترتب عن الفعل نتيجة مضرة حتى تكون الجريمة قابلة للجزاء، فقد تتحقق النتيجة ونكون بذلك أمام جريمة تامة. وإن لم تتحقق النتيجة نكون أما الشروع أو محاولة ارتكاب جريمة. وكأصل عام: أن الشروع معاقب عليه في قانون العقوبات الجزائري. فالجريمة قبل ارتكابها تمر بمراحل ثلاث (03):
1- التفكيـــر والعـــزم: الأصل في هذه المرحلة لا يعاقب فيها الفاعل وفيها بعض الاستثناء.
2- مرحلـــة التحضيـــر: القاعدة العامة هي: عدم العقاب فيها، واستثناءا يمكن ذلك.
3- مرحلـــة الشـــروع
تنصرف فيه إرادة الجاني إلى التنفيذ، فيبدأ الركن المادي، لكن لا تتم الجريمة لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، فهذه المرحلة معاقب عليها بنص المادة 30 ق.ع.ج: "كل المحاولات لارتكاب جناية تبتدئ بالشروع في التنفيذ أو بأفعال لا لبس فيها تؤدي مباشرة لارتكابها، تعتبر كالجناية نفسها إذا لم توقف أو لم يخب أثرها إلا نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها".
فالشروع يقوم على ركنين:
- البدأ في التنفيذ
- إنعدام العدول الإرادي (وجود قوة خارجية).
الفرع الأول: أركان الشروع.
أولاً: البدأُ في التنفيــذ.
هو البدء بتنفيذ جناية أو جنحة إذا أوقف السلوك أو خاب أثره أو استحال تحقق المرجو منه لأسباب خارجة عن إرادة الجاني[85]، أو هو عمل مادي يختلف عن العزم الذي هو ذو طابع نفسي، وهو يختلف عن العمل التحضيري، فهل شراء مسدس هو بدأ في التنفيذ أم عمل تحضيري؟ فقد يكون للقتل أو الدفاع عن النفس أو الانتحار. فالتمييز بينهم له أهمية، كون البدأ في التنفيذ معاقب عليه، والعمل التحضيري استثناء، وكون تحديد البدأ في التنفيذ مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا وقد تطرق للتفرقة مذهبين: المذهب المادي والمذهب الشخصي
1-المذهــب المــادي: أن الفعل لا يدخل في دائرة التنفيذ إلا إذا أصاب به الفاعل الركن المادي للجريمة كما عرفها القانون[86].
مثال1: لا يعد شارعا في السرقة إلا إذا وضع يده على الشيء المراد إختلاسه، ولا تعد الأفعال الأخرى حتى ولو كانت قريبة من التنفيذ.
مثال2: دخول مجرم إلى منزل بالكسر وبعثرة الأغراض، وكسر الخزانة الحاوية للأشياء المراد سرقتها، ثم يتراجع.
نقــد المذهــب المــادي: أن الكثير من الأفعال ستفلت من العقاب بالرغم من أنها تتم عن قصد جنائي للفاعل.
2-المذهــب الشخصــي: يبحث عن مدى دلالة الشخص على قصده، أي إتيان الفاعل بعمل من شأنه أن يؤدي حالا إلى النتيجة، أي أن الفعل لا يحتمل إلا تأويل واحد، فيعد سارقا من يُضبط وهو يكسر الخزانة بالرغم من أنه لم يضع يده على المال الذي هو بداخلها.
3-موقــف المشــرع الجزائــري: اعتمد المشرع الجزائري المذهب الشخصي في قانون العقوبات لسنة 1966 متأثرا بالمشرع الفرنسي، فاستعمل عبارة "تؤدي مباشرة إلى ارتكابها" ولم يشترط أن يؤدي الفعل "حالا إلى النتيجة المقصودة"، لأن الشروع قد يستغرق مدة طويلة. مثال: حفر نفق من أجل وصول إلى الشيء المراد سرقته.
أمثلة عن البدأ في التنفيذ في القضاء الفرنسي
- دخول سيارة متوقفة بنية استعمالها دون رضا مالكها.
- قبول الطبيب للإجهاض والاتفاق على الثمن واتجاهه نحو بيت الزبونة، حاملا المعدات، هنا تعد هذه الخطوات بدأً حتى ولو لم تنطلق العملية.
- بائع سيارة قديمة يزور العداد الكيلومتري لتخفيض مسافة السير، يُعد بدأ في تنفيذ الغش. ولا يعد بدأ في التنفيذ كمن يمنح مالا من أجل ارتكاب جريمة ما، لأن هذا التنفيذ لا يتصف بأفعال تؤدي مباشرة إلى ارتكاب الجريمة.
ثانياً: إنعدام العدول الإرادي (وجود قوة خارجية) (إنعدام تمام الجريمة لسبب غير إختياري).
يفترض الشروع قيام جريمة ناقصة، أي جريمة لم تتم بعد[87]؛ أي خيبة الأثر نتيجة لظروف مستقلة عن إرادة مرتكبها، أما إذا كان عدم تمامها راجع إلى إرادة الفاعل، فإن الشروع ينعدم وهذا يشجع الجانحين على التخلي عن مشروعهم الإجرامي ولا عبرة بالسبب أو الباعث على العدول (التوبة، الرأفة في الضحية، خشية من العقاب، الخوف...إلخ). ويكون غير إختياري، إذا كان بسبب عوامل خارجية مادية مستقلة عن إرادة الفاعل ومثالها: هروب الضحية ، إمساك يد المجرم، القبض عليه وهو يختلس، تدخل الشرطة. وقد يكون بسبب عوامل خارجية معنوية، ومثالها: رؤية عون الشرطة، فهل العدول كان بإرادة الفاعل أم بعوامل خارجية؟ هنا يجب النظر حالة بحالة للتأكد وهذا يعد مسألة وقائع يرجع إلى قضاة الموضوع للفصل فيه ويجب أن يتم العدول قبل تمام إرتكاب الجريمة، أما محو الآثار فلا أثر له على الطابع الإجرامي للفعل، فمثلا: رّد الموظف العطية إلى الراشي يعد تمام الرشوة والإسراع إلى إطفاء النار في جريمة الحريق.
في الجرائم المادية التي تكون فيها النتيجة عنصراً لا تنفذ الجريمة إلا بتحقق النتيجة، فهنا من السهل التمييز بين العدول الاختياري والتوبة. مثلا: * جريمة القتل العمدِ لا تتحقق إلا بالوفاة.
* إذا ألقى شخص شخصا آخر في الماء لقتله غرقا، ثم أخرجه قبل الموت، فهنا نكون أمام عدول اختياري.
في الجرائم الشكلية والتي تتحقق فيها الجريمة قبل بلوغ النتيجة، مثال: جريمة التسميم لا يمكن تصور عدول إختياري فيها، فإذا أعطى سم للضحية ثم ناولها ترياق أو دواء مضاد للسم، فهذا ليس عدولا.
الفرع الثاني: أنـــواع الشـــروع.
يتضح من خلال النص أن هناك: شروع موقوف، وشروع خائب فالشـــروع الموقـــوف. هو الشروع الناقص، الذي يُتم فيه الجاني لكل الأفعال التنفيذية اللازمة لإتمام الركن المادي للجريمة. أما الشـــروع الخائـــب. هو الشروع التام، يقوم فيه الجاني بفعله كاملا، لكن النتيجة لا تتحقق. وللشروع الخائب (التام) نفس عقوبة الشروع الموقوف (الناقص). وعليه فإن هناك أوضــاع ثلاثــة للشــروع
أولا: الجريمة الموقوفة (الناقصة).
يبدأ فيه الجاني بنشاطه المادي لتحقيق النتيجة لكن لا تحصل النتيجة لأن الفعل قد أو قف بعد البدء فيه وقبل نهايته ولذلك لم تحصل النتيجة، ويعطى لها وصف الشروع الناقص[88]، فالجاني يكون قد بدء نشاطه ولكنه لم يستطيع إكمال (كان شخص بصدد سرقة متجر حيث ثم توقفه من قبل أعوان أمن المتجر).
ثانياً: الجريمــة المستحيلــة.
ومن أمثلتها محاولة قتل ببندقية خالية من الخراطيش. وإجهاض إمرأة غير حامل.
فهنا يسلك الجاني كل السلوك المؤدي إلى النتيجة لكن لا تقع؛ وهي صورة من صور الشروع، والفرق بينها وبين الجريمة الخائبة يعود إلى أن الجريمة الخائبة لم تتحقق لكنها ممكنة الوقوع، في حين أن النتيجة في الجريمة المستحيلة لا يمكن أن تتحقق لأنها مستحيلة الوقوع، لا ممكنة الوقوع فأحيانا النتيجة لا تتحقق بسبب استحالة النتيجة إما عن عدم وجود محل الجريمة أو لعدم فعالية الوسائل المستعملة.
ثالثاً: لجريمة الخائبــة.
تلك التي يقوم فيها الفاعل بالنشاط كاملا (الشروع التام)، ولكن لا تحدث النتيجة، مع كونها ممكنة الوقوع فسعى الجاني لتحقيق النتيجة لم يوقف في أي خطوة من خطواته.مثال:
- من يطلق العيار الناري على شخص فيخطئه أو يصيبه إصابة غير قاتلة.
- فتح خزانة المال وعدم وجود المال.
الجريمة الخائبة: معاقب عليها بنص المادة 30 ق.ع.ج: "... إذا لم يخب أثرها...". فهل الجريمة المستحيلة جريمة مشروعة في ارتكابها؟ المُتمعن في المادة 30 ق.ع.ج، يلاحظ أن المشرع الجزائري ميز بين استحالتين للجريمة:
D الاستحالة الأولى: هي الاستحالة المادية مَردها إلى الوسائل المستعملة أو مكان الشيء كعدم إصابة الهدف في جريمة القتل لعدم صلاحية الخراطيش أو عدم وجود الشخص في المكان المعتاد وهي معاقب عليها.
D الاستحالة الثانية: هي الاستحالة القانونية (انعدام أحد أركان الجريمة القانونية) كرُكن "الإنسان حي في جريمة القتل"، وما يدعم هذا الاستنتاج هو ما ورد في نص المادة 30/2 ق.ع.ج: "... حتى ولو لم يمكن بلوغ الهدف المقصود بسبب ظرف مادي يجهله مرتكبها". فيعاب الشروع حتى وإن كان سبب عدم بلوغ الهدف المقصود طرفا ماديا يجهله مرتكب الجريمة.
فالمشرع الجزائري إعتبر:
* الإستحالة المادية صورة من صور الجريمة الخائبة فهي معاقب عليها سواء كانت الاستحالة في الوسيلة أو في المحّل.
* وتبقى الاستحالة القانونية بدون عقاب.
غير أن المشرع الجزائري خرج عن هذه القاعدة في المادة 260 ق.ع.ج الخاصة بالتسميم، فلم يعاقب على الإستحالة المطلقة التي مردها إلى الوسيلة من خلال المادة 30 ق.ع.ج، وكذلك في المادة 304 ق.ع.ج على عقابه على الجريمة المستحيلة إستحالة قانونية بتجريمه لكل من أجهض إمرأة حامل أو مفترض حملها أو شرع في ذلك.
القصــد الجنائــي في الشــروع لا يعد البدأ في التنفيذ شروعا إلا إذا كان القصد منه ارتكاب جناية أو جنحة، الشروع جريمة عمدية دائما ولا يُتصور في الجريمة غير العمدية.
الفرع الثالث: جــزاء المحاولــة (الشروع).
في الجناية كالجناية نفسها وبنفس العقوبة المادة 30 ق.ع.ج، والعقوبة مثل: عقوبة الجريمة التامة، مثال: المواد 350، 372، 376 ق.ع.ج[89].
المبحث الثالث: الركــن المعنــوي للجريمـة.
لا يكفي العمل المادي (الركن المادي) بل يجب أن تصدر عن إرادة الجاني، فيتمثل الركن المعنوي في نية داخلية يُضمرها الجاني في نفسه، وقد يمثلُ الخطأ أو الإهمال أو عدم الاحتياط أو ...إلخ. وعلى هذا يتخذ الركن المعنوي صورتين هما: صورة الخطأ العمدي (القصد الجنائي) (جريمة عمدية). وصورة الخطأ غير العمدي (جريمة غير عمدية).
المطلب الأول: القصـد الجنـائي (الخطأ العمدي).
الفرع الأول: تعريف القصد الجنائي.
لم يُعرف المشرع الجزائري القصد وإنما اكتفى بالنص في الجرائم على العمد[90]، ويعرفه الفقهاء على أنه:" هو انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها، كما يتطلبها القانون". والقصد الجنائي يتكون من عنصرين:- اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة. -العلم بتوافر أركان الجريمة كما يتطلبها القانون، ويظهر على عدة صور منها القصد العام والقصد الخاص، القصد المحدود وغير المحدود، القصد المباشر وغير المباشر أو الاحتمالي[91].
أولاً: اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة
فالإرادة هي قوة نفسية تتحكم في سلوك الإنسان فهي نشاط نفسي يصدر عن وعي وإدراك بغرض بلوغ هدف معين فإذا توجهت هذه الإرادة المدركة والمتميزة عن علم لتحقيق الواقعة الإجرامية لسيطرتها على سلوك المادي للجريمة وتوجيهه نحو تحقيق النتيجة قام القصد الجنائي في الجرائم المادية، في حين يكون توافر الإرادة كافياً لقيام القصد إذا ما اتجهت إلى تحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض[92]. مثال: قيادة سيارة بسرعة فائقة تؤدي إلى قتل راجل، وعليه لا تقوم المسؤولية على جريمة القتل العمدي، بخلاف من أطلق الرصاص على شخص ثان فأرداه قتيلا هنا توجد إرادة التي انصرفت لأحداث فعل آثم.
ثانياً: العلم بتوافر أركان الجريمة كما يتطلبها القانون.
يُقصد بالعلم إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع[93]، وهو حالة ذهنية أو قدر من الوعي سبق تحقق الإرادة، فالعلم يرسم للإرادة اتجاهها ويعين حدودها، ولذلك فإنهُ يُلزم عناصر العلم بعناصر الواقعة الإجرامية وتمثلها سلفاً من قبل الجاني حتى يمكن القول بتوافر القصد، بمعنى أن يشمل علم الجاني ما يتطلبه القانون لبناء الجريمة واستكمال كل ركن منها عناصرهُ لكي يُقال بأن عنصر العلم قائم في القصد كما يلزم أن يكون علم الجاني بكل الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة من عناصر سابقة على السلوك وعناصر لاحقة وأخرى مُعاصرة للفعل طالما كانت ضرورية للتكوين القانوني للواقعة[94].
فالعلم مفترض لدى العامة ولا يجوز الدفع بجهل في القانون، كما أن المشرع الجزائري أخذ "بالنية" بصرف النظر عن الباعث ففي بعض الأحيان أخذ المشرع الجزائري بالباعث كاستثناء، فأخذه في بعض الحالات كعذر مخفف. مثال: المادة 279 ق.م.ج، في حالة جريمة القتل أو الجرح والضرب التي يرتكبها أحد الزوجين أثناء مفاجئة الزوج الآخر التلبس بالزنا.
الفرع الثاني: صـــور القصــد الجنائــي.
§ القصد العام والقصد الخاص .
§ القصد البسيط والقصد المشدد.
§ القصد المحدد والقصد غير المحدد.
§ القصد المباشر والقصد غير المباشر(محتمل).
أولاً: القصد العام والقصد الخاص (العلم والإرادة موجودة في كل الجرائم العمدية)
القصــــد العــــام: يعتبر القصد العام الركن المعنوي لأكثر الجرائم العمدية، وهو يتألف من علم وإرادة[95]، فالعلم يتمثل في إنصراف إرادة الجاني نحو القيام بفعل مجرم وهو يعلم أن القانون ينهي عنه، وهو ضروري لقيام كافة الجرائم العمدية . أما القصــــد الخــــاص: هذا القصد هو نية خاصة[96]، فهو الغاية التي يقصدها الجاني من ارتكاب الجريمة. فإما نية إزهاق الروح كما في جريمة القتل أو الاستيلاء في جريمة السرقة، فنية إزهاق الروح تشكل القصد الخاص، أما إذا كانت نيته الضرب والجرح أدى إلى الوفاة المادة 246/الفقرة الأخيرة ، فهنا تنعدم نية القتل لأن إرادته لم تتجه إلى إحداث النتيجة التي هي القتل، ولا يعتد القانون بالباعث أو الدافع حتى وإن كان شريفا أو نبيلا، لكن قد يشكل عذرا مخففا[97].
ثانياً: القصد المحدد والقصد غير المحدد
القصــــد المحــــدد: يرتكز على تحديد موضوع الجريمة من عدمه[98]، هو الذي يتوفر لدى الجاني عندما يعقد العزم، على ارتكاب جناية أو جنحة مثل القتل والسرقة في حق شخص معين. أما القصــــد غير المحــــدد: فهو ارتكاب فعل إجرامي دون مبالاة بشتى النتائج الناتجة عن فعله وبهوية الضحية مثال: من ينهالُ على عدة أشخاص بالضرب فيصيب أفراد بجروح وآخرون بكسور وآخرون بفقع أبصارهم...إلخ، فالخطأ في شخص الضحية لا يؤثر في قيام الجريمة، فالقضاء يسوي بين القصد المحدد والقصد غير المحدد.
ثالثاً: القصد البسيط والقصد المشدد.
يختلفان في درجة الخطورة: فالقصــــد البسيــــط: هو الذي لا يقترن بما يُشدد الوصف والعقاب. أما القصــــد المشــــدد: يُقصد به سبق الإصرار والترصد اللذان يشددان الوصف والعقاب في جريمة القتل، فالإصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الجريمة والترصد هو انتظار الشخص لفترة من الزمن للاعتداء عليه (المادة 263 ق.ع.ج).
رابعاً: القصد المباشر والقصد غير المباشر.
فالقصــــد المباشــــر: هو القصد الجنائي سوءا كان عاما أو خاصا والذي تتميز به الجرائم العمدية، أما القصد غير المباشر (الاحتمالي): هو الذي يقدم فيه الجاني على نشاط إجرامي فتتحقق نتيجة أشد جسامة مما توقع المادة (399 ق.ع.ج).
المطلب الثاني: الخــــطأ الجزائــــي.( الخطأ غير العمدي).
الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية هو مجرد خطأ جزائي مثل القتل الخطأ (المادة 288 ق.ع.ج)، الجرح الخطأ (المادة 299 ق.ع.ج).
الفرع الأول: تعريــــف الخطأ.
لم يعرف المشرع الجزائري الخطأ الجزائي لكن استعمل عدة صور للتعبير عنه، وهو أحد صورتي الركن المعنوي، فالجرائم إما عمدية تقوم على توافر القصد الجنائي، وإما غير عمدية تقوم بمجرد الخطأ[99]، فالخطأ يُعرف بأنه تقصير في مسلك الإنسان، لا يقع من شخص عادي وُجد في نفس الظروف الخارجية[100]، كما أن الخطأ هو إخلال الجاني بواجبات الحيطة والحذر التي تتطلبها الحياة الاجتماعية[101]، وله عدة صور:
الفرع الثاني: صور الخطأ غير العمدي.
أولاً: الرعونــــة.
هي سوء التقدير وتظهر في واقعة مادية، تنطوي على خفة وسوء تصرف مثل: كمن يُطلق النار على طائر في شارع مليء بالمارة، أو على واقعة معنوية مثال: ربة بيت ترمي جسما صلبا من الشرفة فتصيب أحد المارة.
ثانياً: عدم الاحتيــاط.
هو عدم التبصر بالعواقب، فالفاعل يُدرك أنه قد يترتبُ عن فعله نتائج ضارة ورغم ذلك يُقدم على الفعل مثال: السياقة بسرعة في شارع مُزدحم معتمدا على مهاراته، فيقتل أو يجرح أحد، أو يرتطم بسيارة أخرى فيصب صاحبها بجروح.
ثالثاً: الإهمــــال.
يعد من صور الخطأ الشائعة[102]، وفيه يعتمد الفاعل موقف سلبي، أي عدم اتخاذ التدابير والاحتياطات والوسائل الضرورية والمناسبة لتفادي وقوع الفعل الإجرامي. وبالتالي وقوع النتيجة الضارة وهي تشمل كافة معالم قلة الإدراك والتبصر وقصر المعرفة وانعدام الخبرة والدراية وانتفاء الحذر والانتباه والإغفال، وعبر عنها المشرع الجزائري بعدم الانتباه والإهمال، مثال: عدم استعمال منبه الصوت للسيارة في شارع مُكتظ بالمارة، ترك السيارة معطلة في منتصف الطريق دون مثلث الخطر، أو عدم إحاطة المهندس أو صاحب المقاولة الورشة بحاجز، الطبيب الذي ينسى آلة أو ضمادة في بطن مريضه.
رابعاً: عـــدم مراعـــاة الأنظمـــة.
في مفهومها الواسع، تشمل على القوانين وعلى اللوائح التنظيمية وأنظمة بعض المهن، فيقوم الفاعل باعتماد موقف لا شرعي، مخالفا للقواعد والتعليمات الصادرة من السلطة المختصة، كمخالفة قوانين الأمن العام، أنظمة السير، أنظمة الصحة والأمن في المعامل والمشاريع.
الفصل الثالث: أسبــــاب الإباحـــة (الأفعـال المبـررة).
قد ينص القانون على حالات تُرتَكَبُ فيها أفعال مخالفة للقانون ومع ذلك لا يُعاقب مرتكبها جزائيا، يحدث هذا إذا أُرتكب الفعل في ظل سبب من أسباب الإباحة أو توافر مانع من موانع المسؤولية، كمن يقتل للدفاع الشرعي، أو يجرح بهدف القيام بعمل طبي، ويعني ذلك أنه لا يكفي أن يتطابق الفعل مع نص تجريمي ساري المفعول إذ يجب – علاوة على ذلك – أن نتأكد من عدم وجود سبب يبرر الأفعال، إذ بوجود السبب تخرج الأفعال من دائرة التجريم وتعاد إلى دائرة الإباحة[103]. وقد اختلف الفقه في نظرتهم لموقع أسباب الإباحة في القانون الجزائي
* فريق قال بأن أسباب الإباحة أسباب موضوعية تُقدم المسؤولية الجزائية، ويقابلها أسباب داخلية (شخصية) تقدم المسؤولية.
* وفريق قال بأن أسباب الإباحة أساسها الركن الشرعي، فلا جريمة لانعدام أحد أركانها، لأن المادة 39 ق.ع.ج نصت: "لا جريمة ..."
فأسباب الإباحة تعطل نص التجريم وتمحو صفة الجرم عن الفعل وتجعله كأن لم يكن فلا يُعدُ جريمة. أما موانع المسؤولية فالنص لا يُطبق لسبب مانع ولكن لا تمحو الفعل ولا تمنعه من ترتيب نتائج أخرى[104].
المبحث الأول: الأفعـال المبررة.
* فهناك أفعال مُبررة خاصة ببعض الجرائم (كالإجهاض) لأسباب صحية (المادة 308 ق.ع.ج)
* وهناك أفعال مُبررة عامة تُطبق في كل الظروف وعلى كل الجرائم مهما كان وصفها وهذا ما نصت عليه المادة 39 ق.ع.ج وهما:
1. إذا كان الفعل قد أَمَرَ أو أذن به القانون.
2. إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع الشرعي.
المطلب الأول: الفعـــل الـــذي أمـــر أو أذن بـــه القانـــون.
أمر القانون يشير إلى أداء الواجب، أما إذن القانون فيدل على استعمال الحق[105]، وخص المشرع الدفاع الشرعي بفقرة مستقلة ثم ألحقها بمادة أخرى[106].
الفرع الأول: الفعــل الــــذي أمــــر بــــه القانــــون.
بالرجوع إلى نص المادة 39 ق.ع.ج، نجد أنها لم تحدد الأفعال التي تشملها الإباحة، فقد جاء مدلول النص شاملا وعاما، فجميع الأفعال تعتبر جرائم لو لم يأمر أو يأذن بها القانون، فهناك بعض الأفعال تعتبر اعتداء على الحريات العامة، خاصة عند التحقيق في الجرائم (التفتيش، الحجز، التوقيف للنظر، الاستيقاف...)[107]. يكمن سبب إباحة الأفعال التي أمر بها القانون في النص القانوني ذاته، فليس من المنطقي أن يأمر القانون بفعل معين ثم يُجرمُهُ، فالمشرع قد يُعطل نص جزائي ويُبرر الخروج عليه، حماية للمصلحة العامة؛ فالشاهد أمام العدالة لا يُعتبر مرتكباً لجريمة إفشاء الأسرار، ويدخل ضمن إباحة الأفعال بناءا على أمر تنفيذ الأمر الصادر عن السلطة المختصة كطاعة المرؤوس لرئيسه كتنفيذ أحد ضابط الشرطة القضائية لأمر الإحضار جبرا الصادر عن قاضي التحقيق، فهذا لا يجعله مرتكبا لجريمة الاعتداء على الحريات الفردية.
كما قد يتطلب القانون أن يصدر في شكل معين فيجب مراعاته فلا يجوز لضابط الشرطة القضائية إحضار المتهم بدون أمر عدلي كتابي، مدعيا أنه تلقى الأمر شفاهةً، لأن أمر الإحضار يتضمن: نوع التهمة، هوية المتهم، توقيع القاضي وهذا يعني أن مراعاة الشكل المطلوب قانونا هو أمر لازم أحيانا لاعتبار أن الفعل مباح، متى صدر عن سلطة مخولة بإصداره ونُفذ من جانب الموظف المختص.
الفرع الثاني: الفعــــل الــــذي أذِنَ بــــه القانــــون.
القانون يُجيزُ في حالات معينة ويسمح بممارسة عمل، هذا العمل كان قبل السماح به، فعلا مجرما. فقد نصت المادة 61 ق.إ.ج.ج على أنه:" يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة الحبس ضبط الفاعل واقتياده إلى أقرب ضابط شرطة قضائية" فهذا الشخص قد يكون موظف أو غير موظف، فإذا قام بهذا الفعل فلا يُعد جريمة.
فهناك حالات يأذن بها القانون للموظف ويترك له حرية استعمال سلطته التقديرية كإجازة القانون لضابط الشرطة القضائية بمنع أي شخص من مبارحة مكان الجريمة ريثما ينتهي من إجراءات التحري وله أن يحتجز شخص أو أكثر لكن ضمن شروط محددة قانونا. كما يجب أن تنفذ هذه الأعمال بحسن نية. وقد يكون هذا الإذن لممارسة أحد الحقوق المقررة قانونا، والقانون هنا لا يقتصر على قانون العقوبات فقط، فيدخل ضمنه العرف والشريعة الإسلامية...إلخ، كحق التأديب، حق مباشرة الأعمال الطبية، إلا أن إباحة العمل الطبي تقتضي مراعاة شروط معينة وهي: الاختصاص في العمل، موافقة المريض على العلاج، تحقيق الغاية. وكمثال على ذلك ممارسة الألعاب الرياضية.
إلا أن هناك فرق بين: ما أمر به القانون وما أذن به القانون، فما أمر هو إجباري يجب القيام به، بحيث تترتب على مخالفته مسؤولية جزائية، في حين أن ما أذِنَ يُسمحُ للمخاطب به أن يستعمل رأيه الشخصي بالقيام أو عدم القيام. فإذا قام به فلا يُعدُ فعله جريمة.
ومن أسباب الإباحة حالة ما إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع الشرعي
المطلب الثاني: الدفــاع الشرعــي La Légitime Défense
أُجيز استعمال حق الدفاع الشرعي للذود عن النفس والمال، وهو بهذا المعنى ليس من قبيل أداء الواجب[108]، إن طبيعة الدفاع المشروع أو الشرعي أساسه ترخيص من القانون لرد الاعتداء، أما أساسه فيرجع إلى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للأفراد وإيثار مصلحة على أخرى تحقيقا للصالح العام وهو هدف كل نظام قانوني، فكلاهما يرتكبان فعل غير مشروع، فالمصلحة العامة تتحقق بإيثار (تغليب) مصلحة المدافع فيقلب عمل المدافع إلى عمل مشروع وهذا حين لا يتيسر له الاستعانة بالسلطات العامة.
الفرع الأول:مجال تطبيق الدفاع الشرعي.
مجاله يشمل جرائم الاعتداء على الأشخاص أو الاعتداء على الأموال. فهي جرائــم تبيــح الدفــاع المشــروع[109].
أولاً: جرائـم الاعتـداء علـى النفـس.
يتبين من نص المادة 40/1 ق.ع.ج، أن الأمر يشمل حياة الشخص أو سلامة جسمه وكذا كل أعمال العنف بما فيها جرائم العِرْض المرتكبة بالعنف، فيجوز درء (دفع) جرائم القتل والضرب والجرح وما يليها، ويجوز درء جرائم هتك العرض والإخلال بالحياء، ويجوز درء الجرائم الماسة بالشرف و الاعتبار كالقذف والسب. وهل هذا هو متصور؟
نعم في بعض الحالات كأن يقوم الشخص المقذوف بتمزيق المحرر المحتوي على القذف، أو إتلاف آلة التسجيل أو وضع اليد على فم المعتدي. كما يجوز درء جرائم الاعتداء على الحرية كحرية التنقل.
ثانياً: جــرائم الاعتــداء على الأمــوال.
(السرقة، التخريب، الحريق العمدي...) سواء كان هذا الاعتداء على صاحب الشأن أو على غيره فالمشرع الجزائري أطلق الدفاع ضد الخطر، أي ضد خطر الجريمة أيا كانت.
ثالثاً: الدفاع الشرعي والجرائــم غيــر العمديــة
المشرع الفرنسي قصر تطبيق الدفاع الشرعي على الجرائم العمدية وحدها، لكن الفقهاء انتقدوا هذا الأمر على أساس أنه ليس بمقدور المعتدي عليه التكهن بأن عمل المعتدي غير عمدي وقد رفضت محكمة النقد الفرنسية الدفاع المشروع في الجريمة غير العمدية، إثر مشاجرة نشبت بين شخصين دفع فيها المدعو كوزيني سكيرا بقوة فسقط هذا الأخير وأصيب بجروح بليغة، و قد كان كثير من المتهمين المتابعين بجريمة غير عمدية يحاولون إثبات أنها عمدية من أجل الاستفادة من الدفاع الشرعي[110].
الفرع الثاني: شـــروط الدفـــاع الشرعـــي.
يحتوي الدفاع الشرعي على: الاعتداء وعلى رّد الاعتداء ويكون المدافع في حدود الدفاع إذا توافرت شروط الاعتداء وفي رد الاعتداء (الدفاع) ويرجع إلى قضاة الموضوع التقدير وللمحكمة العليا الرقابة، فيجب إثارة الدفع بتوافره أمام قضاة الموضوع ولا يجوز إثارته أول مرة أمام المحكمة العليا.
أولاً: شــروط الاعتـــداء.أن يكون حالاً، وأن يكون غير مشروع
1- أن يكــــون حــــالاً: وهو شرط نجده في النص القانوني[111]، يجب أن يكون الاعتداء حالا( الضرورة الحالة) ويكون إذا وقع الاعتداء أو كان في طريقه إلى الوقوع (وشيك الوقوع) ويكون حالا وليس مستقبلا وإلا كان وقائيا، ولا يكون قد زال ويستمر الخطر ما دام فعل الاعتداء مستمر لم ينتهي بعد ولا يكون قد زال وإلا كان انتقاميا ويكون الدفاع بحلول الخطر ولا يشترط أن يكون قد بدأ في إيقاع الضرر أو أن يكون الضرر وشيك الحلول. مثاله: والدٌ أطلق النار على شخص فأرداه قتيلا، بعدما شاهده وهو يهدد ابنه بواسطة سلاح ناري وقد تبين أنه لم يكن بقصد إيذاء الولد وإنما كان يمزح، فاستفاد من الدفاع الشرعي.
2- أن يكــون غيــر مشروع: أي يجب أن لا يستند الاعتداء إلى حق أو إلى أمر أو إلى إذن من القانون، فالشخص الذي يصدر في حقه أمر بالقبض، ثم يقوم يقاوم تنفيذ هذا الأمر، لا يعد في حالة دفاع شرعي[112]. والاعتداء الذي يقوم به المجنون أو الطفل يمكن أن يكون محل رد مشروع لأن انعدام المسؤولية الذاتية (الشخصية) لا تمحو الطابع الإجرامي للفعل.
ثانياً: شــروط رّد الاعتـــداء.
لزوم رد الاعتداء، ورد متناسب مع الاعتداء
1- لـــزوم رّد الاعتـــداء: يقصد به ألا يكون أمام المعتدي عليه لتجنب الخطر إلا ارتكاب الجريمة على أساس أن حالة الضرورة المطلقة هي التي تبرر الفعل، ولا يكون الدفاع عليه لازما إذا كان للمعتدي عليه وسيلة أخرى غير ارتكاب الجريمة لصد الاعتداء. فالجريمة لا تباح إلا بالقدر اللازم للمحافظة على الحق لكن الصعوبة في تحديد القدر المناسب مثالا: من الصعب قبول ضرورة الدفاع الشرعي عندما يتعلق الأمر بجروح خطيرة تسبب فيها شخص بالغ على طفل صغير اعتدى عليه.
2- رّد متناســب مــع الاعتـــداء: بمعنى أن يتناسب الأذى الذي أصاب المعتدي مع الأذى الذي كان المدافع عُرضة له وأراد تجنبه. مثال: لا يكون في حالة دفاع شرعي من يتلقى لكمة فيقابلها بقتل عمدي، ولكن لا يُشترط أن يكون الأذى الذي أصاب المدافع أخطر مما قد ينجر عن دفعه. مثال: المرأة التي تقتل من حاول هتك عرضها تكون في حالة دفاع شرعي. ومدى الإلتزام بالتناسب الضروري يرجع للقضاء. فلا يُعد تناسبا الوالد الذي أطلق عيارا إتجاه شاب كان يتسلق حيطان منزله لبلوغ غرفة إبنته.
الفرع الثالث: آثـــار الدفـــاع الشرعي.
إذا ثبت قيام الدفاع المشروع يزول عن عمل الفاعل أي طابع جرمي ومن ثمَ لا تُسلط عليه أية عقوبة، تجعل الفعل مباحاً، ويستفيد كل من اشترك في فعل الدفاع[113]، فإذا كان الملف على مستوى النيابة العامة، فيحفظ (حفظ الدعوى)، أو كان على مستوى قاضي التحقيق فيصدر أمر بإنتفاء وجه الدعوى، أو كان على مستوى جهات الحكم (قاضي الحكم)، فيصدر الحكم بالبراءة لا تطبق عليه تدابير الأمن لأنه ليس في حالة خطورة ولا يُسأل مدنيا ولا يُطالبه المجني عليه بالتعويض.
المبحث الثاني: حالة الضرورة ورضا المجني عليه.
المطلب الأول: حالـــة الضـــرورة.
فيها لا يكون مرتكب الجريمة مكرها على ارتكابها، فيكون بين خيارين، فإما أن يتحمل الأذى أو يرتكب الجريمة. مثال: من يختلس خبزا حتى لا يموت جوعا، والطبيب الذي يقتل الجنين حال الولادة حفاظا على حياة الأم.
الفرع الأول: شــروط حالــة الضــرورة.
أولاً: شــرط متعلــق بالخطــر.
فيشترط أن نكون أمام خطر حال أو وشيك الوقوع يهدده في شخصه أو ماله، ولا تكون لإرادة الفاعل دخل في حلول هذا الخطر. مثال: حمل غير شرعي تُجهضه خشية العار، والحكمة أنه لا مفاجئة ولا عذر لمن تسبب في نفسه في ذلك الخطر[114].
ثانياً: شــرط متعلــق بالعمــل المرتكــب.
أن يكون ضروريا للحفاظ على سلامة الشخص أو ماله، وأن لا تكون هناك وسيلة أخرى إلا ارتكاب الجريمة، وأن تكون الوسيلة المستعملة متناسبة مع الخطر، وأن تكون المصلحة المضحى بها أقل من المصلحة المحمية في القيمة (حياة الأم أفضل من حياة الجنين). فالخطر الذي يهدد النفس يجوز دفعه بجرائم من أجل المال. ويجوز دفعه بجرائم النفس؛ لكن لا يجوز الالتجاء إلى إحداهما، إذا تيسرَ الإفلات من الخطر بغيرهما. مثال: إذا أوشكت سفينة على الغرق، وحفاظا على ركابها تُلقى ما فيها من بضائع كوهلة أولى.
الفرع الثاني: آثـــار حالــة الضــرورة.
تتفق الأنظمة القانونية على أن حالة الضرورة حين توافرها يؤدي إلى عدم العقاب، سواء كان على أساس انعدام الجريمة (بالنسبة للأنظمة القانونية الذي تعتبره سببا للإباحة)، أو على أساس انعدام الخطأ (بالنسبة للأنظمة القانونية الذي تعتبر حالة الضرورة مانعا للمسؤولية كقانون العقوبات الفرنسي لسنة 1992).
المطلب الثاني: رضـــا المجنـــي عليـــه.
القانون الجزائي من النظام العام، وبالتالي لا يجوز للمجني عليه تعطيل تطبيقه بإرادته – هذا كأصل- فالرضا للمجني عليه لا يؤثر على الجرائم الماسة بالحياة وسلامة الجسم، فلا أثر لرضا المجني عليه على تجريم فعل طبيبه الذي أنهى ألمه لأنه ميئوس من حياته، فَجَرَمَ المشرع الجزائري مساعدة الغير على الانتحار (المادة 273 ق.ع.ج)، غير أن بعض التشريعات بدأت تتجه نحو الأخذ به كسبب من أسباب الإباحة كهولندا في مشروع قانونها لسنة 2000 ولا أثر للرضا في الجرائم ضد الأموال بل يؤدي إلى تجريم فعل المجني عليه كتجريم فعل المجني عليه الذي يقبل الشيك و هو يعلم أنه بدون رصيد (المادة 374 ق.ع.ج).
ومن الجرائم ما يلزم لقيامها عدم رضا المجني عليه، كجريمة انتهاك حرمة منزل، لا ترتكب إذا كان الدخول إلى المنزل برضا صاحبه. ولا تقوم جريمة السرقة إذا استلم الجاني الشيء من المجني عليه بإرادته، غير أن رضا المجني عليه لا يُعد سببا من أسباب الإباحة.
وقد يُرتب رضاه إفلات الجاني من العقاب فيشكل فعلا مبررا مؤسسا على رخصة ضمنية من القانون كالضرب والجرح العمدي من الطبيب الجراح الذي يقتل المريض أو يحدث له عجزا، فلا يسأل جزائيا ولا مدنيا عن فعله، ولذا يُشترط لإباحة العمل علاوة على رضا المريض:
- أن يكون من أجراه مرخص له قانونا؛
- أن يكون بقصد العلاج، لا بقصد التجربة؛
- أن لا يقع من الطبيب إهمال (المسؤولية الجزائية للطبيب)[115].
الباب الثاني
الجاني
الباب الثاني: الجاني.
يعاقب المشرع على الجريمة عندما تكتمل أركانها بغض النظر عن من قام بها، فقد يرتكبها شخص واحد وقد يرتكبها عدة أشخاص، فعندما يرتكب الجريمة الواحدة عدة أشخاص نكون بصدد المساهمة الجنائية؛ بشرط أن يجتمع بين هؤلاء الأشخاص رابطة معنوية واحدة لتنفيذ الجريمة[116]، الأمر الذي يتطلب منا أن نتأكد من وجود العنصرين اللذين تقوم عليهما فكرة المساهمة وهما وحدة الجريمة وتعدد الجناة.
وإذا كان موضوع تعدد المساهمين أمراً بيناً لا يثير صعوبات تذكر، فإن الأمر ليس بهذه البساطة في موضوع وحدة الجريمة[117].
الفصل الأول: المساهمــة الجنائيـــة (الجزائية).
D قد يرتكب الفاعل جريمة بمفرده، فيكون فاعلا ماديا.
D وقد يُساهم عدة أشخاص في ارتكاب نفس الجريمة، وتأخذ هذه الجريمة عدة صور:
§ قد تكون دون إتفاق مسبق (جريمة القتل، السرقة، النهب المرتكب من المتظاهرون)، فتكون المتابعات القضائية بعدد المساهمة، ويعاقب كل منهم على مساهمته وبقدر مسؤوليته الفردية.
§ وقد تكون نتيجة اتفاق مسبق (كتكوين جمعية أشرار) مشكلة لممارسة نشاط جنائي (المادة 176 ق.ع.ج)، فتكون المساهمة هنا محل قمع خاص، فيكون كل المساهمين في الجريمة فاعلين.
§ قد تكون المساهمة إلا مظهرا لاتفاق مؤقت بين شخصين أو أكثر لارتكاب جريمة معينة وهذا ما يهمنا.
ففي الحالة الأخيرة، كل من ساهم بصفة رئيسية ومباشرة بالتنفيذ المادي للجريمة، يكون فاعلا ماديا (أصليًا) مع غيره حسب ظروف ارتكاب الجريمة، لكن أغلب الفقهاء أكدوا بأن هذا المعيار وحده غير كافي، وهو ما جعل بعضهم يلجأ إلى شرط متمم وهو ظهور الجاني لفعله على مسرح الجريمة، فيعاصر نشاطه الوقت الذي وقعت فيه، حتى ولو لم يقم بفعل يدخل في تنفيذ الركن المادي للجريمة، ولكن عاصر نشاطه الوقت الذي وقعت فيه وظهَر على مسرح الجريمة، كان فاعلا أصليا. مثال: الشخص الذي يراقب الطريق يُعتبر حسبهم فاعلا أصليا. وكل من إقتصر دوره على مساعدة أو معاونة الفاعل في التحضير لها أو تسهيل تنفيذها المادي سواء كانت مساهمة ثانوية أو عرضية، يكون في هذه الحالة شريكاً.
لكن كيف نوزع هذه المسؤولية والعقوبة بين كل من الفئتين (الفاعل الأصلي والشريك)؟
المبحث الأول: الفاعــل الأصلـــي.
تُعرف المادة 41 معدلة ق.ع.ج الفاعل: " يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو تهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي ". وعلى هذا فالفاعل الأصلي يأخذ صورتين:
- الفاعل المادي؛
- المحرض والفاعل المعنوي.
المطلب الأول: الفاعـــل المـــادي.
يُعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة، أي من قام شخصيا بالأفعال المادية، التي تدخل في تكوين الجريمة، لكن هذا قد يقوم به شخص بمفرده وقد يرتكبه عدة أشخاص.
الفرع الأول: الفاعـــل المـــادي في حّــد ذاتــه.
أي من قام بالفعل المادي مثال: من أطلق النار على المجني عليه أو طعنه بسكين ولا يهم إن كان قد دبر أو قرر لوحده ارتكاب الجريمة أو بتحريض من غيره أو ارتكبها بمفرده أو مع غيره. وفي الجرائم السلبية (جرائم الامتناع)، يُعد فاعلا ماديا إذا أخل بالالتزام. ولا يُشترط أن يُنفذ العمل المادي إلى نهايته أو أن يُحدث نتيجة، بل يصلح حتى على من حاول وحتى من ارتكب الجريمة الخائبة.
الفرع الثاني: الفاعـــل المـــادي مع غيــره.
لم يرتكب الفعل بمفرده، بل رفقة شخص أو أكثر، يكونون كلهم فاعلين ماديين (أصليين) لنفس الجريمة، كقيام شخصان باختلاس مال الغير Coffre.
والتمييز بين الشريك والفاعل الأصلي المساعد، أهمية على المستوى المسؤولية والعقاب في التشريعات الآخذة بنظام تبعية مسؤولية الشريك لمسؤولية الفاعل. لأن مسؤولية الفاعل الأصلي المساعد مستقلة تماما على مسؤولية باقي الفاعلين الأصليين وبالتالي كل منهم يُتابع متابعة بمفرده، فلا يتأثر بالظرف الشخصي الذي قد يعفي الفاعل الأصلي المساعد الآخر من العقوبة كعلاقة الزواج أو النسب في جريمة السرقة (المادة 368 ق.ع.ج): "لا يعاقب على السرقات التي ترتكب من الأشخاص المبينين فيما بعد ولا تخول إلا الحق في التعويض المدني :
1. الأصول إضرارا بأولادهم أو غيرهم من الفروع.
2. الفروع إضرارا بأصولهم.
3. أحد الزوجين إضرارا بالزوج الآخر".
أما المساهمة الضرورية (التعدد الضروري): تكون حينما يكون تعدد الجناة لازما قانونا، بحيث لا يتوقع وقوعا من شخص واحد مثل: التجمهر، تكوين جمعية أشرار، الزنا، المشاجرة ...إلخ. أما المساهمة العرضية: هي التي يساهم من تحقيقها عدة أشخاص، ويُمكن أن ترتكب من طرف شخص واحد مثل: السرقة، الضرب والجرح...إلخ ويتحدد نوع المساهمة بنص تجريمي.
المطلب الثاني: الفاعـــل المعنـــوي.
يعتبر فاعلا من لم يقم بأي عمل مادي، وإنما كان فقط السبب المعنوي لارتكابها وهذا الفاعل يأخذ عدة صور، أشار المشرع إلى واحدة هي المحرض (المادة 41 ق.ع.ج)، وضمنيا أشار إلى صور أخرى. ويدخل المحرض في مفهوم الفاعل الأصلي وكذلك ما نصت عليه المادة 45 ق.ع.ج، كأن يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب الجريمة.
الفرع الأول: المُحـــرض.
المشرع الجزائري اعتبر المحرض فاعلا أصليا – بخلاف المشرعان المصري والفرنسي اللذان اعتبراه شريكا – فالتحريض يمكن تعريفه كما يلي: "دفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة بالتأثير في إرادته وتوجيهها الوجهة التي يريدها المحرض". ولكي يعاقب على التحريض، لا بد أن يتوافر على شروط معينة وهي:
1- أن يتم التحريض بإحدى الوسائل المحددة قانوناً
وهي الهبة (هدية مادية أو عينية)، الوعد: (إعطاء مكافئة)، التهديد: (التهديد بالقتل أو بنشر صور أو خبر يضر بسمعته)، إساءة استعمال السلطة أو الولاية في العمل أو المخدوم في خادمه، أو الولاية:ح (ولاية الوالد على أبنائه)، أو التحايل كإدخال في ذهنه أمر مخالف للحقيقة، كأن يقول له: قتل والدك. أو التدليس الإجرامي: وهو أن يهيج شعور الفاعل كالإدعاء كذبا أمام الابن بأن والده تعرض للضرب من قبل فلان وأن من لا يثأر لوالده فهو جبان.
2- أن يكون التحريض مباشراً (أي صراحةً)
ويعني ذلك أن يتوجه المحرض إلى جانٍ محدد أو عدة جُناة محددين لتحريضهم بالوسائل المحددة في المادة 41 ق.ع.ج، للقيام بالجريمة، فلا يُعد تحريضا، تحريض الغير على الكراهية لما يدفعه إلى قتل الشخص.
3- أن يكون التحريض شخصيًا.
أي موجه إلى الشخص المراد دفعه إلى ارتكاب الجريمة.
4- أن يكون التحريض منتجا لأثره.
أي أن يرتكب المحرض الجريمة أو يشرع في ارتكابها، فالمادة 46 ق.ع.ج، لا تشترط أن يقوم المُحرض بارتكاب الجريمة، بل يكفي التحريض وحده، وهذا تكريسا لمبدأ استقلال مسؤولية المُحَرِض عن مسؤولية الفاعل المادي، كما في المادة 41 ق.ع.ج، التي اعتبرت المحرض فاعلا أصليا وليس شريكا.
أولاً: أركان المساهمة في التحريــــض.
بالرجوع إلى نص المادة 41 ق.ع.ج، يتبين أن المشرع الجزائري قد حدد على سبيل الحصر الأعمال المادية الركن المادي للتحريض التي يُمكن إدراك ماهيتها ودورها في تنفيذ الجريمة والتي يقوم عليها التحريض وهي: الهبة، الوعد، التهديد، ...إلخ. هذه الوسائل هي التي يعتدُ بها القانون ويقوم عليها الركن المادي لجريمة التحريض، وسواء إن تم التحريض بواحدة منها أو أكثر. لكن يجدر بنا أن نميز بين التحريض الفردي المباشر وبين التحريض العام الذي يتوجه فيه المحرض إلى جمهور من الناس دون تحديد وبأية وسيلة، مثال ذلك ما نصت عليه المادة 100 ق.ع.ج. أما الركــــن المعنــــوي للتحريــــض فيتحقق إذا كانت إرادة المُحَرِض سليمة أي مدركة ومميزة وأن تكون محاطة علما بعناصر الجريمة التي سيُقدمُ عليها الشخص المحَرَض (المنفذ) لتحريضه، فإنه يُعَدُ مرتكبا لجريمة التحريض، إذا ما أراد النتيجة التي يتوقع أن تحدث، أما إذا حدثت نتيجة لم يكن الفاعل (المحرِض) يتوقعها أو يُريدها فإنه لا يُعَدُ مسؤولاً عنها[118].
ثانياً: الاشتـــراك في التحريـــض.
إن طبيعة جريمة التحريض تسمح بقيام الاشتراك باعتبارها جريمة مستقلة وصورة ذلك أن يُقدم أحدهم الهبة إلى المحرض لكي يقوم بإكمال حلقات التحريض، فهنا لا يُعد مقدم الهبة فاعلا أصليا إذا اقتصر دوره على مساهمة تبعية (ليست مباشرة) يبرر اعتباره شريكا إذا تحققت لديه نية الاشتراك[119].
ثالثاً: التحريـــض التـــام والشـــروع فيـــه.
إذا قام شخص بالتحريض ونجَحَ في ذلك تكون الجريمة تامة فتبدأ جريمة التحريض بالوسائل المحددة في المادة 41 ق.ع.ج، وتنتهي بنجاح المحرض في خلق فكرة الجريمة لدى المُحَرَض (المنفذ) وتصميمه على ارتكابها، فتنفيذ وعدم تنفيذ الجريمة، أمر خارج عن نطاق المُحَرِض وهو ما أكدته المادة 46 ق.ع.ج: " إذا لم ترتكب الجريمة المزمع ارتكابها لمجرد امتناع من كان ينوي ارتكابها بإرادته وحدها فإن المحرض عليها يعاقب رغم ذلك بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة". وتختلف صورة التحريض التام عن مجرد الشروع فيه، كما لو تقدم المُحَرِض إلى شخص لتحريضه على القيام بالقيام الجريمة فلم يُستجاب له كأن يرفض المنفذ الفكرة مباشرة، فهنا نكون بصدد الشروع في جريمة التحريض فقيام المحرض بسلوكه تاماً وتخلف النتيجة – وهي خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ – يبرر القول بأن الشروع قد تم فعلاً، اعتماداً على ضابط الشروع القائل بأن الشروع في الجريمة يبدأ لحظة البدء بإتيان أعمال لا لبس فيها تؤدي مباشرةً إلى ارتكابها، ويخضع الشروع في التحريض للأحكام العامة للشروع[120].
الفرع الثاني: الفاعـــل المعنـــوي (المادة 45 ق.ع.ج)
يتشابه مع المُحَرِض في أن كليهما يُنفذ الجريمة بواسطة غيره وكلاهما يُعتبر السيد الحقيقي للجريمة ويختلفان في أن المحرض يلجأ إلى شخص عادي معتد بإرادته، في حين أن الفاعل المعنوي يلجأ إلى شخص غير مسئول وصفه القانون بأنه "لا يخضع إلى العقوبة" بسبب وضعه أو صفته الشخصية، كأن يكون صبي غير مميز، مجنون، مُكره...إلخ. فالفاعل المعنوي يُسيطرُ على المنفذ سيطرة تامة مما يجعله منه"أداة" لارتكاب الجريمة.
أولاً: الركـــن المـــادي للفاعــل المعنـــوي.
لم يحدد القانون الوسائل ويعني ذلك أن المشرع الجزائري يعتد بكل الوسائل، فقد يلجأ إلى الترغيب أو الترهيب أو الهبة أو التهديد وذلك للسيطرة على المنفذ لارتكاب الجريمة.
ثانياً: الركـــن المعنـــوي للفاعل المعنوي
لم ترتكب هذه الجريمة في إطار المساهمة الجنائية لأن المنفذ لا يُمكن عَدَهُ لا فاعلا ولا شريكا فهو أداة أو وسيلة لا تختلف من وجهة نظر القانون عن أي وسيلة أخرى فسيان بين المنفذ هذا أو المنفذ الذي استعمله الفاعل المعنوي وبين حيوان أو إنسان غير مميز ولذلك يجب أن يحيط علم الفاعل بكل وقائع وعناصر الجريمة مع رغبته في تحقيقها إلى النتائج المُحتملة لأن المنفذ مجرد أداة.
المبحث الثاني: الشريــــك (المادة 42 ق.ع.ج).
|
فالاشتراك شكل من أشكال المساهمة الجزائية، وقد عرفته المادة 42 من ق ع ج، وهو يقتضي عمل مساهمة في ارتكاب جريمة، وقد حصر المشرع هذا العمل في المساعدة أو المعاونة على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها[122].
المطلب الأول: أركـــان أو شروط جريمـــة الاشتـــراك.
الفرع الأول: الركــن الشرعــي في جريمة الاشتراك.
هي أعمال تحضيرية غير معاقب عليها، وينجذب تجريمها إلى الفعل الأصلي فيعاقب عليه (الاشتراك) إذا ارتكب الفاعل الجريمة أو شرع فيها. ولا يُعاقب على هذا الأخير (الشروع)، إلا في الجنايات وبعض الجنح التي يُحددها القانون، فلا تقوم جريمة الاشتراك في الجنح التي لا عقاب على الشروع فيها. ولا يعاقب على الشروع في هذه الحالة إلا إذا كانت الجريمة تامة. ولا يعاقب على الاشتراك في المخالفات. فيكفي أن يكون الفعل معاقب عليه لذاته لكي تقوم مسؤولية الشريك ولو كان فاعله لا يعاقب لظرف خاص به عملا بمبدأ استقلال المساهمين كمن ساعد (الشريك) شخص على سرقة مال أبيه يُعد مسئولا بالاشتراك رغم عدم مسؤولية الابن أو تسامح الأب.
الفرع الثاني: الركــن المـــــادي في جريمة الاشتراك.
حددت المادتين 42 و43 ق.ع.ج، الأفعال التي يُعتد بها في المساهمة التبعية للشريك وهي:
1. أعمال المساعدة أو المعاونة؛
2. الأعمال التي تُعد في حكم المساعدة، مثلا: إيواء الأشرار، تقديم مسكن للأشرار.
أولاً: المعاونـــة والمساعــدة
المعاونة والمساعدة هما ما يتم تقديمه للفاعل، شريطة أن تبقيا في حدود الأعمال التحضيرية. فالمساعدة هي أي عمل يرى المساهمون أنه ضروري لتحقيق غايتهم وتكون بكل الطرق شريطة أن تقتصر على:
- الأعمال التحضيرية للجريمة.
- الأعمال المُسَهِلَة للجريمة.
- الأعمال المُنفذة للجريمة.
1-الأعمـال التحضيريـة للجريمـة: هي كل الأعمال التي تسبق مرحلة التنفيذ، ومن الصعب حصرها، وتختلف بحسب ظروف كل جريمة. مثال: تقديم بعض الوسائل لإستعمالها في تنفيذ الجريمة.
2-الأعمال المُسَهِلَة أو المُنفذة للجريمة: وهي أعمال معاصرة أحيانا لإرتكاب الجريمة، كتقديم يد المساعدة للفاعل الذي بدأ في التنفيذ بُغية إستمراره فيها وهي نوعان:
- أعمالٌ تقع مع بداية أعمال التنفيذ؛
- أعمالٌ تُصاحب الخطوات الأخيرة لإرتكاب الواقعة الإجرامية (أمال منفذة)، وهي أعمال تثير إشكالات، فقد تُعَدُ عملا مباشرا وبالتالي تُعَدُ مساهمة أصلية (فاعل أصلي) بالرغم من أنها لا تدخل في تكوين الركن المادي.
كيف نُميز بين المساعدة المعاصرة التي تُعَدُ مساهمة أصلية وبين المساعدة المعاصرة التي تُعَدُ مساهمة تبعية؟
حاول الفقهاء إعطاء حل فقالوا بأن المساعدة المعاصرة التي تجعل صاحبها فاعلا أصليا هي التي تحدث وقت إرتكاب الجريمة وفي مكان وقوعها. أما المساعدة المعاصرة التي تجعل صاحبها شريكا هي التي تحدث في وقت إرتكاب الجريمة لكن في غير مكان وقوعها. إلا أن الملاحظ واقعياً أن الحالات المساعدة المعاصرة التي يُعَدُ صاحبها شريكا هي قليلة، لأن معظم حالات المساعدة المعاصرة تتم في مكان وقوع الجريمة. ويتفق الفقه على أن حصر أعمال المساعدة التي تجعل من صاحبها شريكًا في الأعمال التي تسبق أو تُعاصر إرتكاب الجريمة.
أما أعمال المساعدة اللاحقة فلا تُعتبر وسيلة من وسائل الإشتراك، إلا أن المشرع الجزائري لجأ إلى تجريمها لكن كجرائم خاصة، فلا يكفي أن يُقدم شخص مساعدته للفاعل لكي يُعتبَر شريكًا، بل لابد أن يُثبت بأن مساعدته كانت من العوامل التي ساهمت في إرتكاب الجريمة.
ثانياً: الإعتيـاد على تقديـم المسكـن أو الملجـأ للأشـرار (المادة 43 ق.ع.ج).
إعتبر المشرع الجزائري هذه الصورة في حكم المساعدة التي يُعَدُ صاحبها شريكًا، فإيواء أو تقديم المسكن يتم قبل أو بعد إرتكاب الجريمة، وفاعل هذه الجريمة (إعتباد على تقديم مسكن للأشرار) غريب عن الجريمة التي قام بها الأشرار حتى تمامها ويأخذ حكم الشريك فيها لتقديمه المساعدة اللاحقة وذلك بإعتياده تقديم المسكن أو الملجأ وإشترطت المادة أن يكون هناك إعتياد والإعتياد يفيد التكرار، فإذا قام بالفعل لأول مرة، لا يُعَدُ مرتكبا لجريمة الإشتراك ولا تطبق عليه أحكام المادة 43 ق.ع.ج، وقد أشار المشرع الجزائري إلى أن المساعدة اللاحقة، لا تقتصر على تقديم المأوى ولهذا فقد جَرَمَ بعض الأفعال اللاحقة في المادة 91/2 ق.ع.ج، بقوله:"...علاوة على الأشخاص المبنيين في المادة 42 يعاقب بإعتباره شريكا، من يرتكب دون أن يكون فاعلا أو شريكا أحد الأفعال التالية:
1- تزويد مرتكبي الجنايات والجنح ضد أمن الدولة بالمؤن أو وسائل المعيشة و تهيئة مساكن لهم أو أماكن لاختفائهم أو لتجمعهم وذلك دون أن يكون قد وقع عليه إكراه ومع علمه بنواياهم.
2- حمل مراسلات مرتكبي هذه الجنايات وتلك الجنح وتسهيل الوصول إلى موضوع الجناية أو الجنحة أو إخفائه أو نقله أو توصيله وذلك بأي طريقة كانت مع علمه بذلك.
وعلاوة على الأشخاص المعنيين في المادة 387 يعاقب باعتباره مخفيا من يرتكب من غير الفاعلين أو الشركاء الأفعال الآتية :
أ- إخفاء الأشياء أو الأدوات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجناية أو الجنحة والأشياء أو المواد أو الوثائق المتحصلة من الجنايات أو الجنح مع علمه بذلك.
ب- إتلاف أو اختلاس أو إخفاء أو تزييف وثيقة عمومية أو خصوصية من شأنها تسهيل البحث عن الجناية أو الجنحة أو إكتشاف الدليل عليها أو عقاب مرتكبيها مع علمه بذلك.
ويجوز للمحكمة في الحالات المنصوص عليها في هذه المادة أن تعفي أقارب أو أصهار الفاعل لغاية الدرجة الثالثة من العقوبة المقررة".
فهذه الأفعال يعتبر فاعلها مساهما مساهمةً تبعية أي شريكا في الجريمة. والملاحظ أن المشرع الجزائري قد حصر هذه الأعمال من حيث الوسائل التي يُعتدُ بها أو موضوعها من حيث التجريم التي يمكن أن تقع بمناسبتها، ولهذا فلا يجوز التوسع أو القياس فيها، كما أن الجرائم التي يجوز فيها الإشتراك على النحو المُقدم (المادة 91/2 ق.ع.ج) هي الجنايات والجنح التي تقع ضد أمن الدولة والأمن العام والأشخاص والأموال في المادة 43 ق.ع.ج، وتقتصر على الجرائم الواقعة ضد أمن الدولة في المادة 91 ق.ع.ج.
الفرع الثالث: الإشتـــراك في الإشتـــراك.
يتساءل الفقه عن دور من قام بمساعدة الشريك في إرتكاب الجريمة دون أن تكون له علاقة بالفاعل الأصلي.
يذهب بعض الفقه للقول بأن هذا البائع غريب عن الجريمة ولا علاقة له بها، فالعلاقة واهية وغير مباشرة تبرر عدم مسائلته، فالقانون يحاسب على العلاقة المباشرة ونصوصه واضحة في تطلبه لذلك، فالمشرع الجزائري يقول: " ...من عاون أو ساعد الفاعل..." وعلى عكس هذا الرأي يذهب رأي آخر للقول أن هذه العلاقة المباشرة التي يتطلبها القانون، لا يتطلبها بين الشريك وشخص الفاعل، وإنما يتطلب القانون أن تكون هناك علاقة بين نشاط الشريك والجريمة المرتكبة، فنشاط البائع له علاقة بتحقق النتيجة ولهذا فهو شريك فيها ويُحاسب على ذلك بشرط أن يكون على علم بما يجري ويتوقع حدوث النتيجة ويُريدها[123].
الفرع الرابع: الشـــروع فـي الإشتـــراك.
يقوم الشريك بتقديم مساعدته كاملة للفاعل الأصلي والفاعل يتخلى عن القيام بتنفيذ الجريمة، فهنا يكون الشروع من جانب الشريك قائما، فهل يُعاقب بالرغم من عدم تنفيذ الجريمة؟
ذهب بعض الفقه للقول أن الشريك الذي يقتصر إشتراكه على الشروع يُعَاقَب، لأن القانون يأخذ بإستقلال المساهمين.
فيما يرى آخرون أن هذا الرأي محّل نظر، لأن الشريك يقوم بأعمال تحضيرية وتجريمها تابع للفعل الأصلي، لأنها تُساهم في النتيجة الإجرامية، فعدم وجود النتيجة الإجرامية ومحاولة القيام بها، ينفي الإشتراك، ولذلك فأعمال الشريك التي تقتصر على الشروع لا عقاب عليها لإنعدام الرابطة السببية بينها وبين النتيجة الإجرامية، فإرتكاب الفاعل للجريمة شرط أساسي لإمكانية معاقبة المساهم في جريمة الإشتراك.
الفرع الخامس: الركــن المعنــوي للشريـــك.
جريمة الإشتراك هي جريمة عمدية، لأن الشريك يُقحمُ عمله عن علم ودراية، فإجرام الشريك هو إجرام عمدي ولا يُتصور قيام الإشتراك بأعمال غير عمدية، كالإهمال مثلا، كمن يهمل إخفاء سلاحه فيستغل آخر هذا الإهمال ويستعمل هذا السلاح لإرتكاب جريمة قتل.
المبحث الثالث: عقوبــة المساهمـــة.
المطلب الأول: عقوبــة الفاعـــل.
يعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة بحسب مواد القسم الخاص من قانون العقوبات الجزائري. فالفاعل المباشر للجريمة (الأصلي) أو المحرض أو الفاعل المعنوي على حد السواء، وقد تشير مواد القسم الخاص على إعتبار تعدد الفاعلين ظرفا مشددًا، فيطبق عندئذ هذا الظرف على كل فاعل وإذا لم تشير مواد القسم الخاص إلى هذا الظرف فلا مجال للأخذ به، لأن القانون لم يقرر كقاعدة عامة إعتبار تعدد الفاعلين ظرف مشدد.
المطلب الثاني: عقوبــة الشريــك.
نصت المادة 44 ق.ع.ج، على أنه يُعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة. فهل يعني هذا أن هناك تطابق بين عقوبة الفاعل وشريكه في الجريمة؟
يرى بعض الفقه، أن قانون العقوبات رفض إستعارة التجريم ولكنه أخذ بإستعارة العقوبة. لكن هذا الرأي محل نظر فعقوبة الشريك لا تتطابق مع عقوبة الفاعل الأصلي بفضل مبدأ نظرية العقوبة أي حرية القاضي في تقدير العقوبة ضمن سلطته التقديرية، فالقانون لا يفرض على القاضي أن تتساوى عقوبة الفاعل بعقوبة الشريك،زيادة على إستقلال كل مساهم بظروفه الخاصة والتي تؤدي حتما إلى التمييز بينهم.
المطلب الثالث: الظــروف وأثـــرها على عقوبــة المساهميـــن (المادة 44 ق.ع.ج).
لا تأثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيض العقوبة أو الإعفاء منها إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف، والظروف الموضوعية اللصيقة بالجريمة التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبة التي توقع على من ساهم فيها يترتب عليها تشديدها أو تخفيفها بحسب ما إذا كان يعلم أو لا يعلم بهذه الظروف. ولا يعاقب على الإشتراك في المخالفة إطلاقا. فالظروف هنا ظروف شخصية تقتصر على أصحابها فقط، فمن يشترك مع أخر في تنفيذ جريمة لا يعاقب بعقوبة مشددة إذا تبين أن شريكه معتدا ويستحق تشديد العقاب، فظرف الإعتياد هنا هو ظرف شخصي، لا يسري إلا على صاحبه.
|
الباب الثالث: الجزاء.
الباب الثالث: الجزاء.
يعتبر الجزاء الجنائي من الأحكام المنظمة للمجتمع، وهو ظاهرة عامة في جميع التشريعات له دور في حماية البيئة، ولقد تبنته التشريعات لمواجهة مختلف أفعال الاعتداء على هذه القيمة الأساسية من قيم المجتمع[124]. فيعتبر الجزاء آخر الحلقات في المتابعة الجزائية لمرتكب الجريمة، بل يكاد يكون الردع عن طريقه الوسيلة الأنسب لمواجهة هذه الأضرار؛ مادام أن الوسائل الأخرى قد فشلت في رد الاعتداء، ولا شك أن هذا الجزاء يشكل المظهر القانوني لرد الفعل الاجتماعي إزاء الجناة؛ والذي يتمثل في صورة عقوبة تواجه الجريمة المرتكبة، أو في صورة تدابير أمن يستهدف الحد من خطورة المجرم. فلذلك نجد المشرع تارةً ينص على العقوبة كوسيلة للردع؛ وتارةً أخرى يستخدم تدابير الأمن للوقاية من الخطورة الإجرامية وأحياناً أخرى يستعملها معاً.
فالقواعد الإجرائية تعتبر العقوبة جزاء ينطوي على اللوم الموجه إلى من تنزل به؛ بمقابل الضرر الذي نشأ؛ حيث يتوافر الخطأ والصلاحية للمسؤولية الجزائية. أما تدابير الأمن فهو أسلوب للدفاع الاجتماعي لا يستهدف سوى توقي الخطر الاجتماعي، ومجاله حيث تتوافر الخطورة الإجرامية، فالجزاء في الجرائم يمتاز بأنه ينصب على جريمة تمس شيئاً مباحاً لا يمكن تملكه ولا يمس شخصاً معيناً بعينه[125]. فالجزاء أو العقوبة هو الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني نتيجة مخالفة أمر القانون أو نهيه لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج؛ ولردع الغير عن الإقتداء به سواءً أكان ردعٌ عام أو خاص، لأن العقاب على الجرائم يكشف بوضوح عن السياسة الجزائية التي اختارها المشرع الجزائري للتصدي للجنوح، وذلك بتقرير احترام القواعد القانونية من طرف جميع الأفراد طبيعيين كانوا أو معنويين، وعليه فإن الجزاء يختلف باختلاف الشخص الذي قام بارتكاب جريمة ضد البيئة، فقد يكون شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً، ومن ثم تختلف كيفيات مواجهته وفقاً لأحكام القانون الجزائي البيئي.
فتعرف العقوبة على أنها جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذاً لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة، فقد تنطوي على آلام تلحق بالمجرم سواءً كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً نظير مخالفته للقانون الذي نهى أو أمر بالقيام بفعل أو الامتناع عنه، وتتمثل هذه الآلام في حرمان المحكوم عليه من حق من حقوقه أو مباشرة نشاطه[126].
الفصل الأول: الجزاءات المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
لقد عرف الفقه الجزائي العقوبة بأنها جزاء يقرره القانون ويوقعه القاضي من أجل جريمة وبالشكل الذي يتناسب معها[127]. فيعد الجزاء أداة مستخدمة من قبل المشرع للرد على الانتهاك التي تطال القواعد القانونية المتضمنة في نصوص القانون الجزائي، فهو عبارة عن ردة فعل اجتماعية تمارسها الدولة نيابةً عن المجتمع بواسطة هيئاتها القضائية من أجل تقييد بعض الحقوق الشخصية للشخص، ومن أجل ردع الآخرين. وبدون الجزاء فإن التشريعات لن تكون مجرد توصيات تعتمد فقط على حسن رغبة الأشخاص المخاطبين بها لأجل تنفيذها. وتأخذ معظم العقوبات الجزائية المقررة في الجرائم ، إما صورة العقوبات السالبة للحرية، وإما صورة العقوبات المالية.
المبحث الأول: العقوبة الأصلية المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
يبدوا أن التشريع الجزائري يعد من التشريعات الجزائية التي نصت على عقوبة الإعدام كجزاء مقرر على ارتكاب الجرائم. ولما كانت غالبية التشريعات الجزائية تنص على العقوبات السالبة للحرية، والعقوبات المالية كجزاءات مقررة على ارتكاب جرائم تلويث البيئة، فقد نص قانون العقوبات الجزائري على مجموعة من العقوبات الأصلية التي يمكن النطق بها على المجرم الشخص الطبيعي[128]. هذه العقوبات الأصلية تختلف باختلاف نوع الجريمة المرتكبة.
المطلب الأول: العقوبات الأصلية للجناية المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
العقوبة الأصلية هي التي يجوز الحكم بها دون أن تقترن بها أية عقوبة أخرى. ومن المعلوم حسب القواعد العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات؛ أن العقوبات الأصلية في مواد الجنايات عموماً؛ والعقوبات الأصلية في مواد البيئة خصوصاً هي الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت، وتعد الجناية هي أشدها وهذا ما نصت عليه المادة الخامسة مكرر من قانون العقوبات[129]. والعقوبة الأصلية هي التي يجوز الحكم بها دون أن تقترن بها أية عقوبة أخرى[130].
الفرع الأول: عقوبة الإعدام.
لقد كانت هذه العقوبة ولا تزال محل جدل فقهي متأرجح بين مؤيد لها ومعارض لها من بين فقهاء القانون الجزائي وعلم الإجرام والمدافعين عن حقوق الإنسان[131]. وهي في حقيقة السياسة العقابية عقوبة متناسبة مع حجم الضرر المرتكب من المجرم؛ وهو دليل خطورة المجرم والفعل المجرم، وبالنظر لخطورة الوسائل المستخدمة، وجسامة النتائج المختلفة عن بعض الجرائم المرتكبة التي قد لا تقف آثارها عند حدود تعريض صحة عدد من الأفراد أو حياتهم للخطر، بل أن بعضها قد لا يقود أحياناً كوارث مهلكة مما يستدعي ذلك أخذ الجاني بشدة.
وقد أقر المشرع في المادة السابعة والثمانون مكرر من ق ع بالأفعال الضارة بالبيئة التي اعتبرها بموجب هذه الماجدة أفعالاً إرهابية، وتتمثل هذه الأفعال الضارة بالبيئة على سبيل المثال الأفعال التي من شأنها أن تبث الرعب في أوساط السكان وخلق جو انعدام الأمن من خلال الاعتداء المعنوي أو الجسدي على الأشخاص، ومن بينها الاعتداء على المحيط، أو إدخال مادة أو تسريبها في الجو أو في باطن الأرض، أو إلقائها عليها أو في المياه بما فيها المياه الإقليمية من شأنها جعل صحة الإنسان أو الحيوان أو البيئة الطبيعية في خطر[132]. وتكون العقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الأفعال حسب نص المادة السابعة والثمانون مكرر واحد؛ الإعدام عندما تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤبد[133].
ورغم أن المشرع في بعض السلوكيات الهادفة إلى حماية العناصر الطبيعية من الحريق؛ أقر لها في الأصل عقوبة السجن المؤقت؛ ألا أنه قد يعاقب الجاني بالإعدام إذا تسبب الحريق العمد في موت شخص أو أكثر. وتقرر عقوبة السجن المؤبد إذا تسبب الحريق في إحداث جروح أو عاهة مستديمة[134]. ألا أن في الجزائر من الناحية العملية تقر بعدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة والمتضمنة لعقوبة الإعدام.
الفرع الثاني: العقوبات السالبة للحرية.
العقوبات السالبة للحرية هي العقوبات التي تفقد فيها المحكوم عليه حريته الشخصية بإذاعه في إحدى المؤسسات العقابية، وخضوعه فيها لبرنامج يومي إلزامي. ويثير تطبيق العقوبات السالبة للحرية النقاش والجدل حول ما إذا كان الأفضل أن تتنوع العقوبات السالبة للحرية بحسب جسامة الجريمة، أو أن تتوحد في عقوبة واحدة تطبق على كافة الجرائم مع اختلاف المدة من جريمة لأخرى، غير أن غالبية التشريعات الجزائية الحديثة تعترف بعقوبات سالبة للحرية متنوعة ومتعددة تتفاوت من حيث قوة النظام الذي تفرضه على المحكوم عليه بحسب جسامة الجريمة المرتكبة[135]. وقد تبنى المشرع الجزائري نظام التنوع في العقوبات السالبة للحرية. وتنطوي العقوبات السالبة للحرية على السجن المؤبد؛ والسجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون حدود أخرى قصوى.
فالسجن عبارة عن عقوبة مقيدة للحرية بصفة مؤقتة؛ كما يمكن أن تكون مؤبدة أي مدى الحياة، وهذا ما أقرته المادة الخامسة من قانون العقوبات[136]. وقد نصت المادة السابعة والثمانون مكرر المذكورة في القسم الرابع مكرر المعنون بالجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية،حيث نصت المادة على أنه يعتبر فعلاً إرهابياً أو تخريبياً في مفهوم هذا الأمر كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي عن طريق أي عمل وقد أقر المشرع لهذه الأفعال حسب نص المادة السابعة والثمانون مكرر واحد الفقرة الثانية وما يليها السجن المؤبد عندما تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة. وتكون العقوبة السجن المؤقت من عشرة سنوات إلى عشرين سنة عندما تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشر سنوات، وتكون العقوبة مضاعفة بالنسبة للعقوبات الأخرى[137].
فيما تكون العقوبة ضعف العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات أو في النصوص الخاصة غير المدرجة في هذا النص؛ بالنسبة للأفعال غير التابعة للأصناف المشار إليها في المادة السابعة والثمانون مكرر عندما تكون نفس الأفعال مرتبطة بالإرهاب أو التخريب[138].
وقد استحدث المشرع عقوبة الغرامة في الجنايات؛ وهذا يؤكد النضج الكبير الذي وصل إلية التشريع الجزائي الجزائري، وهذا ما يحقق ردع أكبر وقد أقر بإمكانية الحكم بالغرامة إلى جانب السجن المؤقت فقط دون السجن المؤبد في أحكام قانون العقوبات بنصه في المادة الخامسة مكرر[139].
المطلب الثاني: العقوبات الأصلية للجنحة والمخالفة المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
الحبس هو سلب حرية المحكوم عليه الذي يلتزم أحياناً بالعمل؛ ويعفى أحياناً أخرى من هذا الالتزام وذلك خلال المدة التي يحددها الحكم[140]. فهو عبارة عن عقوبة أخرى سالبة للحرية وتعني أيضاً وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية مدة العقوبة المقررة[141]؛ وهذا الإجراء لا يتقرر إلا بالنسبة للجرائم الموصوفة بأنها جنحة أو مخالفة.
الفرع الأول: عقوبة الجنحة.
فالعقوبات الأصلية في مادة الجنح هي الحبس مدة تتجاوز من شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدود أخرى، وكذا الغرامة التي تتجاوز عشرين ألف دينار جزائري. فيما تعتبر العقوبات الأصلية في مادة المخالفات هي الحبس من يوم واحد على الأقل إلى شهرين على الأكثر، وكذا الغرامة من ألفين دينار جزائري إلى عشرين ألف دينار جزائري. فالحبس هو العقوبة السالبة للحرية الوحيدة المقررة لطائفة الجنح. وتعد عقوبة الحبس هي العقوبة المقررة لمعظم جرائم التلويث المنصوص عليها في مختلف التشريعات البيئية، حيث يتم توظيفها في مواد التلوث البيئي توظيفاً متنوعاً ومتدرجاً بحسب جسامة الجريمة ودرجة خطورتها.
فالمشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي يحرص غالباً على بيان الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة الحبس. وعلى النص على الغرامة إلى جانب عقوبة الحبس وترك للقاضي حرية الاختيار بينهما، وكما سبق وأن أشرنا أن الأصل في عقوبة الحبس أنها تتراوح ما بين يوم إلى شهرين في مادة المخالفات؛ ومن شهرين إلى خمس سنوات في مادة الجنح، ألا أنه يجوز تجاوز هذا الحد الأقصى في الجنح بنص خاص.
فيما تشكل الغرامة أحد أنسب الجزاءات؛ بل وأنجعها نتيجة أن الطابع الاقتصادي هو المميز لهذا النوع من الإجرام.
الفرع الثاني: عقوبة المخالفة.
أما بالنسبة للعقوبات الأصلية المطبقة على المخالفة فقد تمثلت في الحبس والغرامة، فالعقوبة الأصلية في المخالفات عموماً هي الحبس من يوم واحد إلى شهرين و/أو الغرامة من ألفين إلى عشرين ألف دينار جزائري. فالغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة المبلغ المالي الذي يقدره الحكم القضائي؛ جزاءاً لما ارتكبه من جريمة، ويقصد به الإيلام لا التعويض؛ ذلك لأنها عقوبة تغليب الجزاء المالي، حيث يترتب على إيقاعها إنقاص الذمة المالية للمحكوم عليه بها للمصلحة[142].
ورغم هذه المزية لعقوبة الغرامة إلا أن لها من المساوئ ما لها، بحيث نجد أن الغرامات المطبقة على جل المخالفات وبعض الجنح تعتبر بسيطة وهينة لا تستجيب لمبدأ الجزاء مع الأضرار[143]. ولذلك كان لزاماً على المشرع رفع مبلغ الغرامة للردع.
الفرع الثالث: عقوبة النفع العام.
لقد استحدث المشرع عقوبة النفع العام والتي يمكن للجهة القضائية حينها أن تستبدل عقوبة الحبس المنطوق بها؛ بقيام المحكوم عليه بعمل للنفع العام بدون أجر لمدة تتراوح بين أربعين ساعة وستمائة ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم حبس أجل أقصاه ثمانية عشر شهراً لدى شخص معنوي من القانون العام متى توافرت الشروط المحددة في المادة الخامسة مكرر واحد[144]. ولا تطبق هذه العقوبة إلا على الأشخاص الطبيعيين، واستثنى من ذلك الأشخاص المعنوية، مما يظهر أن الهدف منها هو تخفيض عدد نزلاء المؤسسات العقابية؛ وكان بإمكانه إدراجها على الأشخاص المعنوية بالنسبة للعقوبات المالية المقررة عليه، بحيث أن هذه الأخيرة تملك من الإمكانيات ما يسمح لها من تحقيق العمل للنفع العام[145]. ويبقى أن ننوه أن هذه العقوبة تسمح بتمكين المحكوم عليه مساوئ الحبس، كما أنها تمنح المدان كثيراً من الحرية مع حماية المجتمع في نفس الوقت، أما الجانب المادي فهي تسمح بخفض تكاليف مكافحة الإجرام والمساعدة على تأهيل الجانح في أقصر مدة ممكنة[146].
المبحث الثاني: العقوبة التكميلية وتدابر الأمن المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
من أجل تفعيل السياسة الجزائية كان لزاماً على المشرع أن يضيف إلى جانب العقوبات الأصلية جزاءات من شأنها مساندة الأهداف العامة المتوخاة من فرض العقوبة، وهي ما اصطلح عليها بالعقوبات التكميلية. ومن أجل التصدي للأفعال المجرمة فقد أقر المشرع إجراءات نص عليها في خضم القانون أسماها تدابير الأمن، وتحتل هذه التدابير مكانةً هامة بين الجزاءات الجزائية المقررة في التشريعات الجزائية؛ وبصفة خاصة الحديث منها، حيث بدا أمام غالبية علماء الجريمة عدم فعالية وكفاية نظام العقوبة التقليدي لمجابهة الانحراف، ذلك أن المشكلة التي تثور أمام الجزاء الجزائي ذات طبيعة عملية، فقد يتعذر تطبيق العقوبة في كثير من الحالات التي يتعين الحكم فيها بجزاء جزائي، وقد يكون تطبيق العقوبة في حالات أخرى غير ملائم أو غير كاف لمنع وقوع جريمة جديدة[147]. فهذه التدابير تمثل مجموعة من الإجراءات الفردية القسرية التي تحمل معنى اللوم الأخلاقي تنزلها السلطة العامة بمن يرجح لديها احتمال ارتكابه جريمة تالية؛ وذلك بهدف القضاء على خطورة إجرامية كامنة فيه[148]. ولا شك في أن هذه التدابير المقررة في مجال حماية البيئة والمستمدة من طبيعة وجنس العمل تبدوا على أقصى قدر من الأهمية في ردع الجرائم. وتتنوع هذه التدابير؛ فمنها ما يتعلق بشخص المجرم كتلك التي تقرر الحرمان من بعض الحقوق؛ ومنها ما ينصب على أشياء مادية استخدمها الجاني في ارتكاب الجريمة كتلك التي تقرر إغلاق المنشآت أو المؤسسات الصناعية المخالفة[149].
المطلب الأول: العقوبة التكميلية المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
لقد نصت المادة التاسعة من قانون العقوبات الجزائري على العقوبات التكميلية على سبيل الحصر، ولا يمكن الحكم بعقوبة تكميلية إلا إذا اقترنت بعقوبة أصلية؛ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، كما أن النص القانوني هو الذي يحدد ما إذا كان يجب النطق بها مع العقوبة الأصلية؛ أو يترك للقاضي حق الاختيار في النطق بها[150].
الفرع الأول: عقوبة الحجر القانوني على الجاني.
الحجر القانوني هو حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية[151]. فهي عقوبة تكميلية تحكم بها محكمة الجنايات وجوباً على جناية تلويث البيئة، بحيث يحرم المدان من إدارة أمواله أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية والتي تسير وفق قواعد الحجر القضائي[152]. وتظهر أهمية هذه العقوبة في منع الجاني من تهريب أمواله أو استعمالها مجدداً في نشاطات إجرامية[153].
الفرع الثاني: عقوبة الحرمان من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية.
مفاده أنه في حالة الحكم بعقوبة جنائية فإنه يجب على القاضي أن يأمر بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها لمدة أقصاها عشر سنوات تسري من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه[154]. ويتعلق الأمر بالعزل أو الإقصاء من جميع الوظائف والمناصب العمومية التي لها علاقة بالجريمة، والحرمان من حق الانتخاب أو الترشح ومن حمل أي وسام، وعدم الأهلية لأن يكون مساعداً محلفاً أو خبيراً، أو شاهداً على أي عقد، أو شاهداً أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال، والحرمان من الحق في حمل الأسلحة، وفي التدريس وفي إدارة مدرسة أو الخدمة في مؤسسة للتعليم بوصفه أستاذاً أو مدرساً أو مراقباً، ويطلق على هذا الإجراء اسم التجريد المدني؛ الذي يعني حرمان المحكوم عليه من التمتع ببعض الحقوق المدنية والسياسية بما يشكل انتقاصاً من قدره الأدبي في المجتمع[155]. إضافةً إلى عدم الأهلية لأن يكون وصياً أو قيماً؛ وسقوط حقوق الولاية كلها أو بعضها. ويعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى ثلاثمائة ألف دينار جزائري؛ كل محكوم عليه خرق الالتزامات المفروضة عليه بموجب العقوبات التكميلية.
الفرع الثالث: عقوبة تحديد الإقامة على الجاني.
يتمثل تحديد الإقامة في منع الشخص تحت طائلة المساءلة الجزائية من تجاوز نطاق إقليمي معين لمدة خمس سنوات على الأكثر؛ تبدأ من تاريخ انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه، ويحدد هذا النطاق في الحكم القضائي، فيما يبلغ هذا الحكم لوزارة الداخلية لأجل استصدار رخص مؤقتة للتنقل خارج المنطقة المنصوص عليها في الحكم، فيما يعقب الشخص الذي يخالف أحد تدابير تحديد الإقامة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من خمس وعشرون ألف دينار جزائري إلى ثلاثمائة ألف دينار جزائري[156].
الفرع الرابع: عقوبة المنع من الإقامة على الجاني.
إن المنع من الإقامة يختلف عن تحديد الإقامة، فالمنع هو حظر تواجد المحكوم عليه في بعض الأماكن، ولا يجوز أن تفوق مدته خمس سنوات في مواد الجنح؛ وعشر سنوات في مواد الجنايات ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وتطبق عقوبة المنع من الإقامة بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عنه، فمدة المنع من الإقامة لا تطرح من مدة الحبس[157]. كما يجوز الحكم على الأجانب بعقوبة المنع من الإقامة على التراب الوطني، ويجوز الحكم بها عليهم نهائياً إما نهائياً أو لمدة عشر سنوات على الأكثر لارتكابه جناية أو جنحة. وعندما يكون هذا المنع من الإقامة مقترناً بعقوبة سالبة للحرية فإن تطبيق المنع يُوقف طوال تنفيذ هذه العقوبة، ويستأنف بالنسبة للمدة المحددة بحكم الإدانة من يوم انقضاء العقوبة الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه. ويترتب على المنع من الإقامة في التراب الوطني اقتياد المحكوم عليه الأجنبي إلى الحدود مباشرةً أو عند انقضاء عقوبة الحبس أو السجن[158].
وقد أقر المشرع للشخص الجزائري الممنوع من الإقامة والذي خالف تدابير المنع من الإقامة، عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى ثلاثمائة ألف دينار جزائري، فيما أقر عقوبة الحبس نفسها للأجنبي الذي يخالف عقوبة المنع من الإقامة بالتراب الوطني المحكوم بها عليه.
الفرع الخامس: عقوبة المصادرة الجزئية للأموال على الجاني.
المصادرة هي نقل ملكية مال أو أكثر إلى الدولة فهي عقوبة ناقلة للملكية جوهرها حلول الدولة محل المحكوم عليه في ملكية المال[159]. فهي الأيلولة النهائية إلى الدولة لمال أو مجموعة أموال معينة أو ما يعادل قيمتها عند الاقتضاء[160]. كما أنها تعني نزع ملكية مال من صاحبه جبراً عنه و إضافته إلى ملك الدولة دون مقابل[161]، ما لم تكن بطبيعتها غير قابلة للمصادرة كالموارد التي تسمح بعيش أصوله وفروعه الذين يعيشون تحت كفالته, والأموال المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي لا تقبل المصادرة[162]، ومحل السكن اللازم لإيواء الزوج والأصول والفروع من الدرجة الأولى للمحكوم عليه؛ إذا كانوا يستغلونه فعلاً عند معاينة الجريمة؛ وعلى شرط أن لا يكون هذا المحل مكتسبا عن طريق غير مشروع[163].
وتتم مصادرة الأموال والأشياء التي استعملت في ارتكاب الجناية أو تنفيذها أو التي تحصلت منها، وكذا الهبات و المنافع الأخرى التي استعملت لمكافأة مرتكب الجريمة وجوباً مع مراعاة حقوق الغير حسن النية، وفي حالة الإدانة بجنحة أو مخالفة يؤمر كذلك بمصادرة الأشياء المذكورة آنفاً وجوبا إذا كان القانون ينص صراحة على المصادرة، وذلك مع مراعاة حقوق الغير حسن النية[164].
ويعتبر من الغير حسن النية الأشخاص الذين لم يكونوا شخصياً محل متابعة أو إدانة من أجل الوقائع التي أدت إلى المصادرة، ولديهم سند ملكية أو حيازة صحيح ومشروع على الأشياء القابلة للمصادرة[165]. ولا يجوز الإخلال بحقوق الغير حسن النية على المال المراد مصادرته، حيث يعد شخصاً أجنبياً عن الجريمة بعدم مساهمته في ارتكابها، وكان له حقوق عينة على الشيء موضوع المصادرة، كحق الملكية أو حق الانتفاع و ذلك تطبيقاً لقاعدة شخصية العقوبة[166].
الفرع السادس: عقوبة المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط للجاني.
لقد أجار المشرع للقاضي أن يصدر حكم على الشخص المدان لارتكابه جناية أو جنحة بالمنع من ممارسة مهنة أو نشاط، إذا ثبت للجهة القضائية أن للجريمة التي ارتكبها صلة مباشرة بمزاولتهما؛ وأن ثمة خطر في استمرار ممارسته لأي منهما. هذا الحكم يصدر لمدة لا تتجاوز عشر سنوات في حالة الإدانة لارتكاب جناية، ولا تتجاوز مدة خمس سنوات في حالة الإدانة لارتكاب الجنحة، كما أجاز المشرع أن يأمر بالنفاذ المعجل لهذا الإجراء[167]. و يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات؛ وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى ثلاثمائة ألف دينار جزائري كل محكوم عليه خرق الالتزامات المفروضة عليه بموجب العقوبات التكميلية.
الفرع السابع: عقوبتي غلق المؤسسة والإقصاء من الصفقات العمومية.
يمكن معاقبة المجرم بعدم ممارسته في المؤسسة أي نشاط ارتكبت الجريمة بمناسبته وذلك بغلقها. ويمكن الحكم بهذه العقوبة بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد عن عشر سنوات في حالة الإدانة لارتكاب جناية وخمس سنوات في حالة الإدانة لارتكاب جنحة ،ويجوز أن يأمر بالنفاذ المعجل لهذا الغلق[168].
كما يمكن معاقبة المجرم بحرمانه من المشاركة في أية صفقة عمومية لمدة عشر سنوات بالنسبة للجنايات، ولمدة لا تتجاوز خمس سنوات في الجنح، مع إمكانية الحكم بالنفاذ المعجل لهذا الخطر، وفي حالة مخالفة هذا الحظر يعاقب المخلف بنفس عقوبة مخالفة خطر المنع من الإقامة[169]. ويعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ،وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى ثلاثمائة ألف دينار جزائري للمحكوم كل محكوم عليه خرق الالتزامات المفروضة عليه بموجب العقوبات التكميلية.
الفرع الثامن: عقوبة الحظر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع.
لقد أقر المشرع وكعقوبة تكميلية منع المجرم من تحرير شيكات ملزماً إياه بإرجاعها إلى المؤسسة المصرفية، إلا أنه استثنى من هذا الحظر الغير حسن النية الذي يتعامل بها. أي الشيكات التي تسمح بسحب الأموال من طرف الساحب لدى المسحوب عليه أو تلك المضمنة, ولا يجب أن تتجاوز مدة الحظر عشر سنوات في حالة الإدانة لارتكاب جناية، وخمس سنوات في حالة الإدانة لارتكاب جنحة. ويجوز أن يؤمر بالنفاذ المعجل بالنسبة لهذا الإجراء. وقد أقر المشرع عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من مائة ألف إلى خمسمائة ألف دينار جزائري لكل من أصدر شيكاً أو أكثر و/أو استعمال بطاقة الدفع رغم منعه من ذلك، دون الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 374 من قانون العقوبات[170].
الفرع التاسع: عقوبة تعليق أو سحب أو إلغاء رخصة السياقة أو المنع من استصدار رخصة جديدة أو سحب جواز السفر.
يجوز من القاضي الحكم وكعقوبة تكميلية عن جريمة بيئية بتعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغائها؛ مع المنع من استصدار رخصة جديدة، غير أن المشرع أقر على ألا تزيد مدة التعليق أو السحب عن خمس سنوات من تاريخ صدور حكم الإدانة وهذا كله دون الإخلال بالتدابير المنصوص عليها في قانون المرور. ويجوز أن يؤمر بالنفاذ المعجل بالنسبة لهذا الإجراء، ويبلغ الحكم هذا إلى السلطة الإدارية[171]. كما يجوز للجهات القضائية أن تحكم وكعقوبة تكميلية بسحب جواز السفر لمدة لا تزيد عن خمس سنوات في حالة الإدانة من أجل جناية أو جنحة، وذلك من تاريخ النطق بالحكم، ويجوز أن يؤمر بالنفاذ المعجل بالنسبة لهذا الإجراء؛ ويبلغ الحكم إلى وزارة الداخلية[172]. ويعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى ثلاثمائة ألف دينار جزائري كل من حرق الالتزامات المفروضة عليه بموجب هذه العقوبات التكميلية.
الفرع العاشر: عقوبة نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة على الجاني.
يتمثل هذا النوع من العقوبة في نشر الحكم بأكمله أو مستخرج منه في جريدة أو أكثر، أو تعليقها في أماكن يبينها الحكم؛ وذلك على نفقه المحكوم عليه، على ألا تتجاوز مصاريف النشر المبلغ الذي يحدده الحكم بالإدانة لهذا الغرض، وألا تتجاوز مدة التعليق شهراً واحداً، فيما أقر المشرع عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى مأتي ألف دينار جزائري لكل من قام بإتلاف أو إخفاء أتمزيق المعلقات الموضوعة، ويأمر الحكم من جديد بتنفيذ التعليق على نفقة الفاعل[173].
المطلب الثاني: تدابير الأمن المطبقة على الأشخاص الطبيعيين.
تحتل تدابير الأمن مكانةً هامة بين الجزاءات المقررة في التشريعات الجزائية؛ وبصفة خاصة الحديث منها، حيث بدا أمام غالبية علماء الجريمة عدم فعالية وكفاية نظام العقوبة التقليدي لمواجهة الانحراف، إذ قد يتعذر تطبيق العقوبة في كثير من الحالات التي يتعين الحكم فيها بجزاء جزائي، وقد يكون في حالات أخرى غير ملائم أو كافي لمنع وقوع جرائم جديدة، حيث يعد تدبير الأمن وسيلة دفاع اجتماعي تهدف إلى منع الجريمة بالوقاية منها، وذلك من خلال مواجهة الخطورة قبل أن يتحقق الاعتداء على المجتمع. وتمثل تدابير الأمن مجموعة من الإجراءات الفردية القسرية التي تحمل معنى اللوم الأخلاقي تنزلها السلطة العامة بمن يرجح لديها احتمال ارتكابه جريمة تالية؛ وذلك بهدف القضاء على خطورة إجرامية كامنة فيه[174].
فقد وضعت تدابير الأمن لغرض إصلاح المجرم وإعادة تأهيله داخل المجتمع. ويثور الجدل حول طبيعة هذه التدابير. هل هي جزاء أم مجرد نشاطات وقائية؟ فنجد جانباً من الفقه ومنهم عدد كبير من الفقهاء الإيطاليين كالأساتذة Manzini, Rocco, Grispini يعتبرون أن هذا التدبير يهدف فقط للوقاية من خطر الجانح فهو ليس جزاء، ولقد تبنى المشرع الجزائري هذا الطرح[175]، حيث نصت المادة الرابعة من قانون العقوبات على أنه:" يكون جزاء الجرائم تطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير الأمن...إن لتدابير الأمن هدف وقائي[176]." ألا أن جانب من الفقه كالأستاذين Vil, Merle - وهو الرأي الراجح- يرى أن هذا التدبير جزاء يفرضه القضاء لمواجهة الإجرام؛ فلا يستحسن أن يعهد به لغير الجهاز القضائي، وعلى هذا الأساس فقد عرفها بعض الفقه بأنها جزاء جنائي لا يهدف لردع المجرم وإنما للحد من خطورته على المجتمع[177]. ولا شك في أن التدابير الاحترازية المقررة في مجال حماية البيئة والمستمدة من ذات طبيعة وجنس العمل تبدوا على أقصى قدر من الأهمية في ردع جرائم تلويث البيئة.
الفرع الأول: تدبير أمن مصادرة الأشياء الخطرة والمضرة.
تلعب المصادرة دوراً هاماً في الجرائم ؛ وكما سبق وأن درسنا في عنصر العقوبات التكميلية بأن المصادرة غالباً ما ينص عليها المشرع كعقوبة تكميلية بجانب العقوبات الأصلية، وأحياناً ينص عليها كتدبير وقائي عندما يتعلق الأمر ببعض الأشياء الخطرة والمضرة التي يقدر المشرع حيازتها وتداولها يعد جريمة لما تمثله من خطورة[178]، فيؤدي ذلك إلى نزع ملكية المال من صاحبه جبراً عنه وإضافته إلى ملك الدولة دون مقابل[179]. أو هي الاستيلاء لحساب الدولة على الأموال أو الأشياء ذات الصلة بالجريمة سواءً وقعت هذه الأخيرة بالفعل أم كان يخشى وقوعها، وتتم المصادرة قهراً بطريق الإكراه بواسطة حكم قضائي[180].
وقد حدد المشرع الفرنسي في المادة 131 من قانون العقوبات الجديد موضوع ومحل المصادرة بالأشياء المستخدمة في ارتكاب الجريمة أو التي يراد استعمالها في ارتكابها وكذا الأشياء المتحصلة من الجريمة والمنقولات التي يحددها القانون أو اللائحة التي تعاقب على الجريمة. وتتم مصادرة قيمة هذه الأشياء إذا لم يتم ضبطها وتقديمها للجهات المسؤولة؛ وإذا تعذر ذلك يتم التنفيذ عن طريق الإكراه البدني. ومعنى حظر التعامل في الشيء إذا كان صنعه أو اقتناؤه أو بيعه أو استعماله غير مشروع، وتتم المصادرة هنا ولو لم يحكم بالإدانة على حائز هذه الأشياء ولو لم تكن ملكاً له[181]. ويكتفي المشرع الفرنسي للقضاء بالمصادرة كتدبير وقائي وجوبي أن تكون الأشياء المضبوطة محل المصادرة ضارة أو خطرة في ذاتها[182].
وقد أقر المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي بتطبيق المصادرة كتدبير أمن عندما يتعين الأمر بمصادرة الأشياء التي تشكل صناعتها أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها جريمة، وكذا الأشياء التي تعد في نظر القانون أو التنظيم خطيرة أو مضرة. وتتم المصادرة في هذه الحالات مهما يكن الحكم الصادر في الدعوى العمومية ولو لم يحكم بإدانة حائز هذه الأشياء الخطيرة والمضرة[183].
فلا يعد هذا التدبير عقوبة؛ لأن سبب مصادرة الأشياء هنا ليس لكون الشخص ارتكب جريمة؛ بل لأن هذه المواد في طبيعتها خطيرة ومضرة، فلا تعتبر المصادرة عقوبة إذا انصبت على شيء لا يشكل خطورة أو مضرة لأن الإيذاء هنا سوف لن يمس مرتكب الجريمة بصفة مباشرة في ذمته المالية. ففي الحالة الأولى تعتبر المصادرة تدبير أمن؛ لأنها تنصب على أشياء خطيرة ومضرة، وفي الحالة الثانية تعتبر عقوبة لأنها تنصب على أشياء مباحة وتمس بالذمة المالية للمتهم. ومثال تدابير أمن مصادرة الأشياء الخطيرة والمضرة؛ مصادرة الأسلحة التي استعملت في الجريمة، الأسلحة والمواد الكيميائية التي تشكل جريمة من جرائم مخالفة اتفاقية حظر استعمال الأسلحة الكيميائية؛ وهذا لأجل إتلافها من قبل الدولة؛ ويتحمل الشخص المحكوم عليه مصاريف الإتلاف[184].
وحسن ما فعل المشرع الجزائري في مجال فعالية المصادرة كجزاء حين حدى حدو المشرع الفرنسي بشأن نصه في قانون العقوبات حين الحكم بالمصادرة كتدبير وقائي؛ أن تكون المواد والأجهزة والأشياء محل المصادرة ضارة وخطيرة في ذاتها؛الأمر الذي يثبط من عزيمة مرتكب جرائم ويؤدي إلى استئصال أسباب الجريمة.
الفرع الثاني: تدبير أمن الحجز القضائي.
لقد اتجه المشرع إلى إقرار تدبير أمن نتيجة خطورة المجرم الناتجة عن مرض عقلي أو إدمان، فقد أجاز المشرع في إطار هذا التدبير المتعلق بالحجر القضائي وضع المجرم بناءً على أمر أو حكم أو قرار قضائي في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية مهيأة لهذا الغرض بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة أو اعتراه بعد ارتكابها[185].
ومن خلال هذا التعريف القانوني نستنتج أن الحجز القضائي في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية لا يكون إلا بعد ارتكاب الجريمة ثم اتصال المحكمة بالملف؛ وسواءً كان الملف أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو أمام جهات الحكم بالمحكمة أو بالمجلس القضائي، وعليه يمكن لمن يفصل في الملف بأمر أو بحكم أو بقرار أن يضع المتهم المريض في مؤسسة إستشفائية. ألا أن المشرع يستدرك في الفقرة الثانية من المادة بالقول بأنه يمكن أن يصدر الحكم أو الأمر بالإدانة أو العفو أو بالبراءة أو بانتفاء وجه الدعوى؛ ورغم ذلك يوجه المتهم إلى المؤسسة الاستشفائية؛ ولكن لا يكون ذلك إلا بعد الفحص الطبي من خبير مختص[186]، من أجل إثبات الخلل العقلي في الحكم الصادر بالحجز القضائي. وقد أخضع المشرع الشخص الموضوع في مؤسسة استشفائية للأمراض العقلية لنظام الاستشفاء الإجباري المنصوص عليه في التشريع الجاري به العمل، غير أن النائب العام يبقى مختصاً فيما يتعلق بمآل الدعوى العمومية[187].
والملاحظ أنه إذا كان القانون يشترط لإصدار مثل هذا التدبير في حق شخص أن تثبت مشاركته المادية في الوقائع فإنه لا يربطه بالإدانة، ومن ثم يجوز لجهات الحكم؛ بل ولجهات التحقيق أيضاً كما سبق وأن ذكرنا إصدار أمر أو حكم أو قرار بوضع متهم في مؤسسة نفسية حتى في حالة صدور حكم بإعفائه من العقوبة أو ببراءته أو بأن لا وجه للمتابعة بسبب مانع من موانع المسؤولية[188].
الفرع الثالث: تدبير أمن الوضع القضائي.
عرفت المادة الثانية والعشرون من قانون العقوبات الوضع القضائي في مؤسسة علاجية بأنه:"وضع شخص مصاب بإدمان اعتيادي ناتج عن تعاطي مواد كحولية أو مخدرات أو مؤثرات عقلية تحت الملاحظة في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض؛ وذلك بناءً على أمر أو حكم أو قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها الشخص؛ إذا بدا أن السلوك الإجرامي للمعني مرتبط بهذا الإدمان[189]."
فالملاحظ من خلال هذه المادة أن هذا الوضع في المؤسسة العلاجية خاص بالأشخاص المدمنين على الكحول والمخدرات أو المؤثرات العقلية، ويتم وضعهم بناءً على أمر من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو حكم أو قرار قضائي صادر من الجهات المحال إليها الشخص. كما أنه يمكن أن يصدر هذا الأمر أو الحكم أو القرار سواءً تحصل المتهم على الإدانة أو البراءة أو على انتفاء وجه الدعوى أو على العفو[190]. كما يجوز مراجعة الوضع القضائي في مؤسسة علاجية بالنظر إلى تطور الخطورة الإجرامية للمصاب.
وفي الأخير نلاحظ أنه فيما يخص تدابير الأمن فإن المشرع أخضع تدابير الأمن إلى مبدأ الشرعية؛ حيث دونها في قانون العقوبات، ألا أنه بذلك يكون قد قام بعمل مقيد إذا ما نظرنا إليه من زاوية فن التقنين؛ لأنه يفرض على القاضي الالتزام بقائمة التدابير التي أوردها المشرع حصراً في قانون العقوبات، ولا يجوز بأي حال من الأحوال الخروج عن هذه القائمة؛ وإلا عُد فعله خرقاً صارخاً لنص المادة الأولى من قانون العقوبات، ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة المرتكبة منصوصاً عليها في قانون العقوبات ذاته أو في القوانين الجزائية الخاصة المكملة له.
فالمشرع الفرنسي ونظراً لطبيعة تدابير الأمن التي تأبى أن تكون محصورة في مدونة، فقد عمد إلى عدم تحديد قائمة العقوبات التكميلية، بل أشار إلى أهمها؛ وترك الباب مفتوحاً في وجه القوانين الخاصة للنص على عقوبات تكميلية أخرى. فيما يثور التساؤل في ظل التشريع الجزائري بخصوص شرعية طائفة من الجزاءات التي وردت في بعض القوانين الخاصة، في حين أنها غير مدرجة لا ضمن العقوبات بأنواعها الثلاثة؛ ولا ضمن تدابير الأمن، ويتعلق الأمر مثلاً بالقانون رقم 01-14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها[191]، والذي تحدث عن عقوبة تعليق رخصة السياقة وإلغائها ومنع تسليمها مؤقتاً أو نهائياً[192]. فهي تدبير مقرر لطائفة من الجنح بعنوان العقوبات التكميلية، فتحدثت المادة الثامنة والتسعون من قانون رقم 09-03 عن العقوبة المقررة لمخالفة أحكام المادة الثالثة والثمانون من نفس القانون والمتعلقة بمخالفة عدم إخضاع المركبة للمراقبة التقنية الدورية الإجبارية، حيث أعطى المشرع للجهات القضائية إمكانية القيام بتعليق رخصة السياقة بالإضافة إلى العقوبات الجزائية[193]. كما نص قانون حماية الصحة على تدبير تعليق رخصة السياقة. ويثور نفس التساؤل بشأن تدبير الحماية والتربية التي أشار ليها قانون العقوبات والتي تطبق على القصر الجانحين.
فإذا كان من المؤكد أن هذه التدابير ليست عقوبات لعدم ورودها ضمن قائمة العقوبات الأصلية والتكميلية، فالظاهر أنها ليست تدابير أمن وذلك لنفس السبب، غير أن المتمعن في مضمونها وأغراضها يكتشف أنها تتفق تماماً مع تدابير الأمن كما هي معرفة في المادة الرابعة من قانون العقوبات والتي نصت:"...وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير الأمن." وأضافت في فقرتها الأخيرة:"...إن لتدبير الأمن هدفاً وقائياً." وتأسيساً على ما سبق يرى بعض الفقهاء بأن هذا التدابير في حقيقة الأمر تدابير أمن رغم عدم النص عليها في قانون العقوبات[194].
الفصل الثاني: الجزاءات المطبقة الأشخاص المعنوية.
إن الشخص المعنوي؛ ونظراً لخصوصيته يجعل من المستحيل عليه ارتكاب بعض الجرائم التي تستبعد من نطاق مسؤوليته، لكن قد يتمادى المشرع الجزائي في استبعاد الجرائم من نطاق مسؤولية الشخص الاعتباري أو المعنوي، فيتناسى جرائم واعتداءات يرتكبها كجهاز، ولعل هذا راجع لسهولة متابعة الشخص الطبيعي عن الجنوح البيئي بخلاف متابعة الشخص المعنوي[195]. ألا أن القانون نص على مسؤولية الشخص المعنوي متى توافرت أركان الجريمة وشروط المتابعة؛ وعليه فإنه لا يجوز متابعة الشخص المعنوي جزائياً إلا إذا وجد نص صريح بذلك، لأن مسؤولية الشخص المعنوي مسؤولية خاصة ومتميزة. فتشمل العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية طائفتين من العقوبات تتمثل الطائفة الأولى في تطبيق كل العقوبات المقررة للجرائم البيئية التي يرتكبها الأفراد مع التشديد، وتشمل الطائفة الثانية العقوبات الخاصة بالأشخاص المعنوية.
ولهذا فقد أدرج المشرع الجزائري في قانون العقوبات عند تعديله بموجب القانون رقم 04-15 المتضمن قانون العقوبات[196]، باباً جديداً خصصه للعقوبات المقررة للأشخاص المعنوية وهو ما يتماشى مع إقراره للمسؤولية الجزائية[197]، وذلك من المادة 18مكرر إلى المادة 18مكرر3 من قانون العقوبات، كما نص المشرع على تدابير احترازية يمكن إخضاعها للشخص المعنوي مثل أيذاع كفالة[198]، أو تقديم تأمينات عينية لضمان حقوق الضحية، أو المنع من إصدار الشيكات أو إصدار بطاقات الدفع مع مراعاة حقوق الغير[199]. وقد أقر المشرع عقوبة جزائية للشخص المعنوي الذي يخالف أحد التدابير المتخذة ضده بأمر من قاضي التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية وهي غرامة من مائة ألف دينار إلى خمسمائة دينار جزائري.
وقد نصت المادة ستمائة من قانون الإجراءات الجزائية على طابع ردعي آخر تمثل في إمكانية اللجوء إلى الإكراه البدني عند إصدار حكم قضائي أو بأمر على عريضة يصدره رئيس الجهة القضائية التي أصدرت الحكم؛ أو التي يقع في دائرتها مكان التنفيذ بناءً على طلب من المحكوم له والتماسات النيابة العامة في نطاق الحدود المبينة قانوناً، ما لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك، وفي مادة المخالفات لا يجوز أن تتجاوز مدة الإكراه البدني شهرين، وإذا كان الإكراه البدني يهدف إلى الوفاء بعدة مطالبات تحسب مدته طبقاً لمجموع المبالغ المحكوم بها[200].
والجزاء هو الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني نتيجة مخالفة أمر القانون أو نهيه لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج؛ ولردع الغير من الإقتداء به، فهو رد فعل اجتماعي عن انتهاك قاعدة قانونية ينص عليها القانون؛ ويأمر بها القضاء؛ وتطبقها السلطة العامة، فهو يتمثل-أي الجزاء- في إهدار أو إنقاص أو تقييد الحقوق الشخصية للمحكوم عليه[201].
ولما كانت العقوبة من بين أهم حجج المنكرين لفكرة إسناد المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية، باعتبار أن تطبيقها يؤدي في نظرهم إلى خرق مبدأ شخصية العقوبة وتفريد العقاب، فقد اعتنت التشريعات المقارنة بعد تكريس هذه المسؤولية تشريعاً وقضاءً بوضع مجموعة من العقوبات الفعالة تتلاءم وطبيعة الأشخاص المعنوية لقمع جرائم البيئة التي ترتكب من طرف أعضائها أو ممثليها؛ سواءً كانت العقوبات تمس بذمتها المالية أو وجودها أو كانت تمس ببعض حقوقها كتلك الماسة بنشاطها أو سمعتها[202]. والملاحظ أن هناك تنوع لهذه العقوبات بين عقوبة أصلية، وعقوبة تكميلية.
المبحث الأول: الجزاءات الردعية المطبقة على الأشخاص المعنوية.
يعد المال أهم أهداف الشخص المعنوي وأخطر وسائله لارتكاب أنشطة إجرامية، إذ أنه عادة ما يكون دافعه إلى خرق القوانين والأنظمة لتحقيق أكبر الفوائد والأرباح في أسرع وقت ممكن[203]، من خلال اللجوء إلى وسائل وطرق غير قانونية تؤدي إلى الإضرار بالبيئة. ولذلك حق أن يكون هذا الفعل المضر بالبيئة والذي يشكل جريمة موجب للعقاب. فكانت عقوبة الغرامة إلى جانب العقوبات التكميلية من أنسب العقوبات الملائمة للشخص المعنوي.
المطلب الأول: الغرامة كعقوبة أصلية مطبقة على الأشخاص المعنوية.
إن الأهمية التي تحتلها عقوبة الغرامة بالنسبة للحماية الجزائية للبيئة ليست وليدة فراغ؛ بل هي ناتجة عن ملائمة هذه العقوبة مع الجرم ومع الجاني، فمن جهة هي تتلاءم مع الجرم من حيث أن أغلب الجرائم البيئية تتصل بالمال بطريقة أو بأخرى، إذ تحدث بمناسبة ممارسة نشاط اقتصادي، فتكون بذلك الغرامة من جنس العمل، إذ يحرم الجانح من الكسب غير المشروع الذي استهدف الحصول عليه من جراء المساس بالبيئة؛ فتكون الغرامة غرماً مقابل الغنم.ومن جهة أخرى فالغرامة تتلاءم مع الجاني من حيث أن الجرائم غالباً ما تسند إلى أشخاص معنوية؛ فتكون هذه العقوبة مناسبة لطبيعة هذه الأشخاص[204]. ومن هنا فإن الغرامة تحظى من الناحية العقابية بأهمية قصوى في ردع الجرائم، فهي تصيب الذمة المالية للشخص المعنوي وتضعفها، كما تعد من أهم العقوبات المفروضة على الشخص المعنوي؛ فهي تطبق في الجنايات والجنح والمخالفات كعقوبة أصلية، ولا يجد القاضي حرجاً في الحكم بها بالرغم من أنها تصيب الأشخاص الطبيعيين بطريق غير مباشر. لكن الفقهاء يتساءلون عن طبيعة هذه المسؤولية فيما إذا كانت مسؤولية جزائية أم مسؤولية مالية[205]. والراجح أن عقوبة الغرامة هي عقوبة جزائية.
ولقد سارع المشرع الجزائري في معظم أحكام تقرير الغرامة كعقوبة يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي على نحو ما أقره المشرع الفرنسي، فحدد هذا الأخير في الفقرة الثامنة والعشرون من المادة مائة وواحد وثلاثون؛ الغرامة التي يمكن تطبيقها على الشخص المعنوي على أساس تلك المطبقة على الشخص الطبيعي؛ ولكن لم يسوي بينهما، حيث جعل الحد الأقصى لغرامة الشخص المعنوي خمسة أضعاف الحد الأقصى لغرامة الشخص الطبيعي؛ لأن الذمة المالية للشخص المعنوي أوسع وأكبر من ذمة الشخص الطبيعي[206]. ألا أن المشرع الفرنسي لم يضع حد أذني لها؛ بل ترك السلطة التقديرية للقاضي.
فيما أقر المشرع الجزائري الرفع من قيمة الغرامة نتيجة اختلاف الإمكانيات المادية بين الشخص المعنوي والطبيعي، فحدد الغرامة التي تقع على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح بالغرامة التي تساوي من مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة[207]. فكلما نصت القوانين على عقوبة الغرامة بالنسبة للجنايات أو الجنح المرتكبة من الشخص الطبيعي ؛ فإن العقوبة المقررة للشخص المعنوي تساوي مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة.
أما في حالة عدم نص القانون في المادة الجزائية على عقوبة الغرامة المقررة بالنسبة للشخص الطبيعي سواءً في مواد الجنايات أو الجنح؛ وقامت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي، فإن الحد الأقصى للغرامة المحتسب لتطبق النسبة القانونية المقررة للعقوبة فيما يخص الشخص المعنوي؛ قد حددها المشرع بمليوني دينار جزائري عندما تكون الجناية معاقباً عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، أما عندما تكون الجناية معاقباً عليها بالسجن المؤقت؛ فإن الغرامة المطبقة على الشخص المعنوي تكون بمليون دينار جزائري، وبالنسبة للجنحة فتكون عقوبة الغرامة خمسة آلاف دينار جزائري[208]، وهذا لكون الجنايات التي يعاقب عليها الشخص الطبيعي في أغلبها لا غرامة فيها؛ وإنما ترتكز على السجن المؤقت أو السجن المؤبد أو الإعدام.
والملاحظ أن المشرع الجزائري قد حدد مبلغ الغرامة المحكوم بها على الشخص المعنوي عند النص على عقوبة الشخص الطبيعي بحديها الأدنى والأقصى، ألا أن المشرع لم يحدد الحد الأدنى لهذه الغرامة عند عدم نص القانون في المادة الجزائية على عقوبة الغرامة بالنسبة للشخص الطبيعي سواءً في الجنايات أو الجنح، وهذا ما يؤدي إلى فتح الباب واسعاً أمام القاضي لإمكانية النزول بها إلى مبلغ بسيط مما يضعف من فعالية الردع[209].
والملاحظ أن المشرع أحياناً حدد الحد الأقصى للغرامة دون الحد الأدنى كما في المادة الثامنة عشر مكرر2 من قانون العقوبات مما يعاب على المشرع ذلك؛ لأنه يكون بذلك قد أعطى للقاضي سلطة تقديرية في النزول بالغرامة إلى حد أدنى، مما يضعف من فعالية الردع كما سبق وأن ذكرنا؛ ويجعل العقوبة بسيطة لا تتناسب وحجم الجريمة، لاسيما وأن المشرع الجزائري منح هذه السلطة الجوازية للقاضي في أخطر الجرائم وهي الجنايات وبعض الجنح التي يعاقب عليها بالإعدام والسجن المؤبد. فكان حرياً بالمشرع إعادة النظر في هذه المادة وتحيد حدها الأدنى على الأقل؛ والنظر إلى مقدارها لأنها تعتبر بسيطة إذا ما قورنت بالجنايات والجنح المرتكبة أحياناً.
فالمشرع الجزائري اختلف في طريقة تحديده لمبلغ الغرامة بالنسبة للشخص المعنوي؛ فكان من الأحسن والأجدر لو اتبع ما سار عليه من قبل؛ أي تحديد مبلغ غرامة الشخص المعنوي على أساس تلك المقررة للشخص الطبيعي وليس على أساس حدها الأقصى. والملاحظ بشكل عام أن مقدار الغرامة المقررة كعقوبة للشخص المعنوي مرتفع جداً إذا ما قارناه بعقوبة الغرامة المقررة للشخص الطبيعي، وذلك بغرض تحقيق الردع العام.
ألا أنه ورغم المزايا التي تحققها الغرامة؛ ألا أنها لم تسلم من النقد، فمن جهة نرى أن عقوبة الغرامة قد تتنافى مع متطلبات العدالة نظراً للتفاوت الكبير بين الأضرار ومقدار الغرامة المقررة كعقوبة على إحداثها، ومن جهة أخرى نرى أن الغرامة قد لا تحقق الردع الخاص المرجو منها، حيث تستمر المؤسسات في ارتكاب الجرائم طالما كانت لديها القدرة على دفع الغرامة المالية المقررة للجريمة التي ترتكبها؛ خصوصاً إذا كانت الإجراءات الواجب اتخاذها لتفادي الأضرار تكلف أكثر بكثير من مبلغ الغرامة.
والملاحظ أنه ليس المرجو مما تقدم المطالبة بالمبالغة في قيمة الغرامة المقررة للجرائم البيئية؛ لأن هذا سينعكس سلباً على المجتمع، فقد تؤثر الغرامة المقررة كعقوبة على المركز المالي للمنشأة المصنفة مما يؤدي إلى إفلاسها وغلقها وأحياناً أخرى إحجامها عن إنشاء المشاريع المضرة ؛ مما يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني[210]، بل أن بعض الفقهاء يفضلون تبني أنواع مختلفة ومجدية من الغرامة مثل الغرامة اليومية، والغرامة المشروطة، والغرامة مع الوضع تحت المراقبة والاختبار.
المبحث الثاني: العقوبات التكميلية المطبقة على الشخص المعنوي.
إن العقوبات التكميلية المقررة للشخص المعنوي المرتكب لجريمة من جرائم البيئة متنوعة، وهي تتمثل في حل الشخص المعنوي؛ وغلقه؛ والإقصاء من الصفقات العمومية؛ والمصادرة؛ ونشر الحكم القضائي؛ والوضع تحت الحراسة القضائية؛ والمنع من مزاولة نشاط معين. فيحكم بواحدة من هذه العقوبات أو أكثر متى تعلقت بالجناية أو الجنحة، ولا يحكم إلا بعقوبة المصادرة في مواد المخالفات وهو أمر جوازي. وعندما يعاقب شخص معنوي بواحدة أو أكثر من هذه العقوبات التكميلية فإن خرق الالتزامات المترتبة على هذا الحكم من طرف شخص طبيعي يعاقب عليه بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من عشرة آلاف دينار إلى خمسمائة دينار جزائري. ويمكن التصريح بقيام المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي؛ ويتعرض في هذه الحالة لعقوبة الغرامة حسب الكيفيات المنصوص عليها في المادة الثامنة عشر من قانون العقوبات. فهذه العقوبة التكميلية تكمل العقوبة الأصلية لأنها تؤدي دوراً هاماً في مواجهة جرائم البيئة.
المطلب الأول: العقوبات التكميلية الماسة بوجود الشخص المعنوي.
إن هذه العقوبة تتعلق بالأساس بحل المنشأة المصنفة؛ أي منعها من الاستمرار في ممارسة نشاطها[211]. وقد عرفت المادة السابعة عشر من قانون العقوبات الحل بأنه:" منع الشخص الاعتباري من الاستمرار في ممارسة نشاطه يقتضي ألا يستمر هذا النشاط حتى ولو كانت تحت اسم آخر أو مع مديرين أو أعضاء مجلس الإدارة أو مسيرين آخرين، ويترتب على ذلك تصفية أمواله مع المحافظة على حقوق الغي حسن النية[212]."
وقد رصد التشريع الفرنسي جزاء الغلق كعقوبة أصلية عينية توقع على الأشخاص المعنوية في كثير من الجنايات فقد نص البند الرابع من المادة المائة والواحد والثلاثون الفقرة التاسعة والثلاثون من قانون العقوبات الجديد على أنه:" إذا نص القانون على جناية أو جنحة يسأل عنها الشخص المعنوي؛ فإنه يمكن أن يعاقب بعقوبة أو بعدد من العقوبات الآتية...إغلاق وبصفة نهائية أو لمدة خمس سنوات أو أكثر المحلات أو وحدة أو أكثر من مؤسسات المشروع التي استخدمت في ارتكاب الوقائع المجرمة". وبمقتضى هذا النص يمكن توقيع جزاء الغلق على الشخص المعنوي المسؤول عن ارتكاب الجريمة تلويث البيئة كعقوبة أصلية؛ سواءً كان ذلك بصورة دائمة أو كان بصورة مؤقتة، حيث يترتب عن الإغلاق النهائي سحب الترخيص بإدارة المنشأة ، بينما يترتب على الإغلاق المؤقت إلغاء الترخيص طوال فترة العقوبة فقط[213].
ولقد أقر المشرع الجزائري عقوبة حل المنشأة أو غلقها لتحقيق مبدأ العدالة؛ إذ لا يعقل أن يعدم الشخص الطبيعي عند ارتكابه لبعض الجرائم؛ ولا يحل الشخص المعنوي بالرغم من ارتكابه لجرائم تفوق آثارها بشكل كبير الجرائم المرتكبة من قبل الشخص الطبيعي[214]. وقد ترك المشرع السلطة التقديرية للنطق بمثل هذه العقوبة، حيث أعطى له المشرع سلطة المفاضلة بينها وبين ست عقوبات تكميلية أخرى.
فعقوبة الحل تعادل عقوبة الإعدام بالنسبة للشخص الطبيعي، وعقوبة الإعدام كعقوبة أصلية تخص مادة الجنايات، وعليه فإن الحل الذي يوقعه القاضي يتعين أن يخص الجرائم التي توصف بأنها جنايات[215].
كما أن هذه العقوبة التكميلية الماسة بوجود الشخص المعنوي تتعلق أيضاً بغلق الشخص المعنوي أو المنشأة المصنفة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات؛ وذلك للقيام بأشغال معينة؛ وهي إجراءات إدارية، ويقصد بها وقف التراخيص بمزاولة النشاط، وقد أقر المشرع عقوبة الوقف المؤقت للنشاط كعقوبة إدارية؛[216]. ويمكن للقاضي أن يأمر بمنع استعمال المنشآت التي تكون مصدراً للتلوث، وذلك حتى إتمام إنجاز الأشغال والترميمات اللازمة، فإذا لم تكن هناك ضرورة للقيام بالأشغال أو أعمال التهيئة؛ يمكن للقاضي تحديد أجل للمحكوم عليه للامتثال إلى الالتزامات الناتجة عن التنظيم المذكور[217]، فهي جزاءٌ عيني يتمثل في منع الشخص المعنوي من مزاولة نشاطه الذي تسبب في الجريمة[218].
وقد نص المشرع الجزائري على هذه العقوبة التكميلية في نص المادة الثامنة عشر مكرر من قانون العقوبات[219]، كما نصت عليها المادة الثامنة عشر من القانون رقم 03-09 بقولها:"...وفي جميع الحالات يتم الحكم بحل المؤسسة أو غلقها مؤقتاً لمدة لا تتجاوز خمس سنوات[220]." ويلقى هذا الإجراء تطبيقاً واسعاً في أغلب النصوص الخاصة كغلق المؤسسة عندما لا تراعي شروط النظافة لمة تتراوح من خمسة عشر يوماً إلى شهر واحد[221]؛ و إيقاف نشاط المؤسسة متى شكلت خطراً[222].
المطلب الثاني: العقوبات التكميلية الماسة بالنشاط المهني للشخص المعنوي.
يجب على الأشخاص المعنوية أن تسلك الطرق الشرعية من أجل تحقيق أهدافها المحددة في نظامها الأساسي، فإذا انحرفت عن ذلك وأصبحت تشكل خطورة إجرامية نتيجة مباشرتها لنشاطها، جاز الحكم عليها بعقوبات رادعة تمس بهذا النشاط. إن العقوبات الماسة بالنشاط المهني للمؤسسة المصنفة تتضمن الإقصاء من الصفقات العمومية التي يقصد بها منع أو حرمان الشخص المعنوي من الدخول أو التعامل في عملية يكون أحد أطرافها شخص من أشخاص القانون العام كالدولة أو إحدى هيئاتها المحددة بموجب قانون الصفقات العمومية[223]. ويمتنع على الشخص المعنوي كذلك الاقتراب من الصفقة التي يكون أحد أطرافها شخص من أشخاص القانون الخاص سواءً بصفة مباشرة أو غير مباشرة[224]. وقد نص المشرع على هذه العقوبة في المادة الثامن عشر مكرر من قانون العقوبات[225]. ويكون هذا الإقصاء لمدة لا تتجاوز خمس؛ كما تجل هذه العقوبة في فهرس المؤسسة؛ ويبلغ بيان البطاقات الخاصة بالشكات إلى النيابة العامة وإلى قضاة التحقيق ووزير الداخلية والإدارة المالية؛ وكذا المصالح العامة التي تتلقى عروض المناقصات والتوريدات العامة[226].
ويدخل في إطار العقوبات الماسة بالنشاط المهني العقوبة التكميلية المتعلقة بالمنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ما نهائياً أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، هذا المنع يمس النشاط الذي وقعت الجريمة بسببه، كما قد يمس أنشطة أخرى لا علاقة لها بموضوع الجريمة، وهنا يكون المشرع قد ترك للقاضي سلطة تحديد النشاط الذي يرد عليه المنع، وقد نص المشرع على هذا الحظر كعقوبة تكميلية في نص المادة الثامن عشر مكرر من قانون العقوبات[227]. فقد يلجأ إلى هذه العقوبة عندما يخشى من وقوع جريمة جديدة، ويلاحظ من خلال نص المادة أن عقوبة المنع من ممارسة النشاط تقترب من عقوبة الحل؛ وهذا في حالة ما إذا تم المنع من النشاط نهائياً، ويقترب من عقوبة الغلق إذا تم المنع بصفة مؤقتة، وتعتبر من العقوبات التكميلية الجوازية التي يمكن للقاضي الحكم بها على الأشخاص المعنوية محل المسائلة الجزائية في الجرائم التي تأخذ وصف الجنايات والجنح دون المخالفات[228]. وفي كل الأحوال يتعين على القاضي تحديد ماهية النشاط الذي يجوز منع الشخص المعنوي من ممارسته تحديداً دقيقاً والحالات التي يمكن فرض هذا الجزاء عليه، وأن يضع ضوابط معينة لهذا الجزاء وكذا مدته.
المطلب الثالث: العقوبات التكميلية الماسة بسمعة وحرية الشخص المعنوي.
لم تقف التشريعات المقارنة عند فعالية العقوبات الماسة بالوجود والنشاط المهني للشخص المعنوي، بل زادت على ذلك عقوبات أخرى تمس السمعة والحرية لتزرع الخوف في أوساطهم؛ وتدعم سلطة العقاب في قمع سلوكياتهم السلبية، وتعمل على تحقيق المساواة في العقوبة مع الأشخاص الطبيعيين إلا ما كان منها مستحيلاً.
فالعقوبة الماسة بالسمعة أقرها المشرع في المادة الثامنة عشر مكرر من قانون العقوبات[229]، والمتمثلة في نشر وتعليق حكم الإدانة الذي يشكل عقوبة فعالة وتهديداً فعلياً للشخص المعنوي، فهي تمس بسمعته ومكانته والثقة فيه أمام الناس، ذلك أنه يكشف عن صورته الحقيقية السيئة أمام الرأي العام أكثر من عقوبة الغرامة التي قد يظل تطبيقها سراً خافياً عن المتعاملين معها، وهو ما يؤثر سلباً على نشاطها في المستقبل، لأن تلك العناصر أساس نجاح الشخص المعنوي[230]؛ لأنها تؤدي إلى هبوط مكاسبه المادية وهو ما يخشاه رجال الأعمال والمستثمرين[231]، خاصةً إذا علمنا أن رأس مال الشخص المعنوي وسمعته في المجتمع بشكل عام، وفي السوق بشكل خاص[232]، فانخفاض أرباحه هو الشيء السيئ الذي يخشاه لأن الربح هو الذي كان يهدف إلى تحقيقه عند ارتكاب مخالفاته البيئية، ولذلك فإن هذا الجزاء يلعب دوراً فعالاً في ردع الشخص المعنوي والحيلولة دون ارتكابه أي جرائم تنعكس على سمعته، وهو ما حصل في مصنع بوبال في الهند في شهر ديسمبر من سنة 1984 حيث تسربت غازات سامة منه؛ بعدها أذيعت هذه الكارثة فأدى نشر الكارثة إلى انخفاض أسعار الشركة المحكوم عليها من قبل القضاء[233].
فالمحكمة عند الحكم بالإدانة تأمر في الحالات التي يحددها القانون و كعقوبة تكميلية بنشر الحكم بأكمله أو مستخرج منه في جريدة أو أكثر يعينها, أو بتعليقه في الأماكن التي يبينها, وذلك كله نفقة المحكوم عليه, على أن لا تتجاوز مصاريف النشر المبلغ الذي يحدده الحكم بالإدانة لهذا الغرض و ألا تتجاوز مدة التعليق شهراً واحداً.
وقد أقر المشرع عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبغرامة من خمس وعشرون ألف إلى مائتي ألف دينار جزائري لكل من قام بإتلاف أو إخفاء أو تمزيق المعلقات الموضوعة؛ كلياً أو جزئياً، ويُأمر بالحكم عليه من جديد بتنفيذ التعليق على نفقة الفاعل[234].
ويشترط لتطبيق عقوبة نشر الحكم بالإدانة وجدود نص قانوني، لذلك لم ينص المشرع الجزائري عليها في جميع الجرائم التي يُسأل عنها الشخص المعنوي في ظل قانون العقوبات رقم 04-15 المعدل والمتمم، أما بالنسبة للقانون رقم 06-23 المعدل والمتمم فتطبق هذه العقوبة على الشخص المعنوي في كل الجنايات والجنح التي يسأل عنها دون المخالفات، واكتفى بالإحالة في الجانب العقابي إلى نص المادة الثامنة عشر مكرر من قانون العقوبات لسنة 2006 المعدل والمتمم[235].
أما العقوبة التكميلية المطبقة على المنشأة المصنفة والمتعلقة بالوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات؛ فقد نص عليها المشرع في المادة الثامنة عشر مكرر من قانون العقوبات، وينصب هذا الوضع على ممارسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته، وفي نفس السياق وبناءً على أحكام المادة مائة وخمسة وعشرون مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية مكن المشرع قاضي التحقيق اتخاذ أوامر الوضع تحت الرقابة القضائية، والتي يمكن أن تنطبق على الشخص المعنوي من خلال الأمر بتسليم كافة الوثائق المتعلقة بممارسة مهنة أو نشاط يخضع إلى ترخيص إلى أمانة الضبط أو مصلحة أمن يعينها قاضي التحقيق مقابل وصل، ويمكن أن تشمل أوامر الوضع تحت الرقابة؛ المنع من مزاولة بعض النشاطات المهنية عندما ترتكب جريمة بمناسبة هذه النشاطات؛ وعندما يخشى من ارتكاب جريمة جديدة[236].
ويعد هذا النظام جزاءً بديلاً عن الغلق استحدثته بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي، فقد قامت فكرته على السعي نحو تفادي الآثار التي قد تترتب عن غلق المنشأة نتيجة تطبيق عقوبة وقف النشاط على الشخص المعنوي
المطلب الرابع: العقوبات التكميلية المالية الماسة بالشخص المعنوي.
تعد المصادرة من العقوبات التكميلية التي يتسع مجال تطبيقها على الأشخاص المعنوية المرتكبة لجرائم البيئة, فهي من أنجح الجزاءات التي ترمي إلى امتصاص الربح المادي المحقق ولذلك فانه من المناسب أن تكون الأولوية لعقوبة مالية تصيب الجاني في ذمته المالية. فكما سبق وان عرفناها فإنها استحواذ الدولة على أموال مملوكة للغير قهراً وبلا مقابل إذا كانت تلك الأموال ذات صلة بجريمة اقترفت[237]؛ أي استعملت في ارتكاب الجريمة. فالدولة لا يعنيها ملكية هذا المال أو حيازته بقدر ما يعنيها ألا يكون في حيازة غيراها؛ مما يشكل خطورة على أمن المجتمع[238].
المبحث الثالث: العقوبات الأخرى المطبقة على الشخص المعنوي.
إن هذه العقوبات تبدوا في أصلها عقوبات إدارية، لكن المشرع الجزائري قد نص عليها ضمن العقوبات ؛ رغم أن المشرع لم ينص عليها في قانون العقوبات ضمن العقوبات التكميلية، ويتعلق الأمر بعقوبة إعادة الحال إلى ما كان عليه، ألا أن المشرع توقع إمكانية عدم التزام المنشآت المصنفة بتنفيذ عقوبة إعادة الحال إلى ما كان عليه؛ فأقر عقوبة الغرامة التهديدية، كما نص المشرع على عقوبة أخرى في نصوص خاصة ويتعلق الأمر بعقوبة شطب السجل التجاري.
الفصل الثالث: حالات الانقضاء والإعفاء من العقوبة وموانع المسؤولية.
لا تختلف كيفيات انقضاء العقوبة والتدبير الأمني لجرائم البيئة عن باقي الجرائم الأخرى، فهي تقتضي سواءً تنفيذ العقوبة في الصورة الطبيعية لتنفيذها[239]. وثمة أسباب أخرى تعد الطريق غير الطبيعي لانقضاء العقوبة.
المبحث الأول: حالات الانقضاء والإعفاء من العقوبة.
المطلب الأول: حالات الانقضاء من العقوبة.
إن من أسباب انقضاء العقوبة هو العفو من العقوبة، والذي يتضمن معنى صرف النظر عن تنفيذ العقوبة دون أن تسقط العقوبات التبعية؛ إلا إذا ورد النص في قرار العفو على خلاف ذلك، ويحتسب الحكم بالإدانة سابقة في العود، وهذا العفو هو شخصي يمنح لفرد أو أكثر لا لنوع معين من الجرائم[240]؛ هذا عن العفو الرئاسي، وهناك العفو الشامل الذي يعني العفو عن الجريمة تماماً بإزالة الصفة الإجرامية عنها، فتنقضي العقوبة الأصلية والتبعية معاً.
وتعتبر من أسباب انقضاء العقوبة وفاة الشخص الطبيعي، أو حل الشخص المعنوي الذي يعتبر بمثابة وفاة للشخص المعنوي، فتنقضي العقوبة بوفاة المحكوم عليه سواءً كان الحكم نهائياً أو غير نهائي، فإذا كان إعمال هذه القاعدة بالنسبة للعقوبات السالبة للحرية ممكن؛ فإن تطبيقها على العقوبات المالية محل نظر، فالغرامة والمصادرة تجعل من قاعدة شخصية العقوبة تحول دون تطبيقها وتنفيذها على الورثة، ألا أن في فرنسا هناك من يقول بأن العقوبات المالية تنفذ في تركة المحكوم عليه أسوةً بالتعويضات والمصاريف شرط أن يكون الحكم نهائياً واجب النفاذ[241].
إضافةً إلى التقادم الذي يعتبر نظام يحول دون تنفيذ حكم الإدانة، وذلك بمرور مدة زمنية على النطق بها، بحيث تؤدي إلى زوال آثار الإدانة، وتقدر هذه المدة بعشرين سنة في الجنايات، وخمس سنوات عموماً في الجنح ما لم تكن العقوبة المقررة للجنحة أكثر من خمس سنوات فتقادمها يكون مساوياً لتلك المدة، وبسنتين في المخالفات[242].
المطلب الثاني: حالات الإعفاء من العقوبة.
الإعفاء من العقوبة المقررة بحكم القانون، منصوص عليها في عدة نصوص قانونية، كإعفاء الشخص الذي يبلغ السلطات الإدارية أو القضائية عن جريمة. وقد أقرت ذلك عدة نصوص قانونية. فيعاقب عن عدم التبليغ كل شخص طبيعي أو معنوي قام باكتشاف المياه الجوفية عمداً أو صدفةً أو كان حاضراً أثناء هذا الاكتشاف[243]؛ بغرامة من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار، وتضاعف العقوبة في حالة العود[244]، فبمعنى المخالفة فإنه إذا قام هذا الشخص بالتبليغ فيعفى من العقوبة.
المبحث الثاني: حالات الإعفاء من المسؤولية الجزائية طبقاً للأحكام العامة.
تنص جل التشريعات البيئية على موانع المسؤولية الجزائية؛ وهي الأسباب التي من شأنها أن تمنع المسؤولية عن الجاني، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تطبيق الجزاء على الجاني رغم قيامه بالفعل المجرم، وتتعلق موانع المسؤولية بالركن المعنوي للجريمة؛ وحالات امتناع المسؤولية في التشريعات البيئية، فقد تتوفر بعض الظروف تؤدي إلى الإعفاء من المسؤولية الجزائية أو التخفيف منها؛ وهو مستمد من القواعد العامة للمسؤولية الجزائية[245].
فتنقسم الأسباب المعفية من المسؤولية إلى أسباب موضوعية مرتبطة بظروف الجريمة؛ وأخرى شخصية مرتبطة بشخص الجاني، فالأسباب الشخصية تتعلق بانعدام الإرادة والأهلية بسبب الجنون أو العته أو صغر السن أو بسبب الإكراه المادي أو المعنوي، وهذا في الأصل هي أسباب انعدام المسؤولية لأنها تعطل نص التجريم فتمحو الفعل المجرم وتجعله كأن لم يكن؛ ومن ثم لا يصير في عداد الجرائم[246]. في حين أم ما يجب أن نتطرق إليه هو موانع المسؤولية؛ لأنها لا تؤثر على سلطان النص، فغاية ما هناك أن النص لا يطبق، ومن ثم فهي تحول فقط دون تطبيق النص الجزائي على من قام به بسبب مانع؛ ولكنها لا تمحو الفعل ولا تمنعه من ترتيب نتائج أخرى[247]. ولهذا سوف نركز على حالات موانع المسؤولية التي تطبق في كثير من جرائم البيئة
المطلب الأول: حالة الضرورة كمانع من موانع المسؤولية.
في كثير من الأحيان يصعب تطبيق موانع المسؤولية على النشاطات المرتكبة من المنشآت نتيجة لارتباط موانع المسؤولية الجزائية التقليدية بأعمال شخصية، وتكمن هذه الصعوبة أيضاً في طبيعة الأفعال المنسوبة للشخص المعنوي وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري لم ينص على حالة الضرورة إطلاقاً عكس التشريعات الأخرى التي وضعتها إما كسبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية، وإن إغفال المشرع لمثل هذا الأمر رغم كثرة التعديلات الواقعة على قانون العقوبات يعد تقصيراً منه وجب إصلاحه[248].
المطلب الثاني: حالة القوة القاهرة كمانع من موانع المسؤولية
إن القوة القاهرة هي قوة طبيعية تستخدم السلوك الإنساني كأداة لإحداث النتيجة، فهي تسلب الشخص إرادته بحيث تدفعه إلى ارتكاب فعل لم يكن يريده، فهي حالة طبيعية يخضع لها الإنسان ولا يمكنه منعها أو مقاومتها[249]. فالقوة القاهرة هي أحد أسباب انتفاء المسؤولية الجزائية في الجرائم كونها تؤثر في حرية الإرادة على نحو يجردها من قيمتها القانونية بل أنه يكون مدفوعاً إلى ارتكابها كوسيلة وحيدة لوقاية نفسه أو غيره[250].
خاتمة
من كل ما تقدم بحثه ظهرت لنا قيمة وأهمية مفردات القسم العام للقانون الجزائي، والتي تمثل البوابة الحقيقية للقانون الجزائي برمته، وما تشهده المجتمعات اليوم من تطور يعكس الحاجة لإعادة النظر في أنماط تفكيرنا، وكثيرا ما يصعب التعديل في قواعد القانون الخاص، فيما تبقى قواعد القانون الجزائي العام على حالها
إن تجاهل تعريف الجريمة في القانون الجزائي من المسائل التي اتفقت عليها معظم التشريعات، رغم وجود العديد من التعاريف في قانون العقوبات الجزائري، ولم يتعرض قانون العقوبات لبيان أشكال الجريمة وما يترتب عليها من أحكام.
ولم يكن من المستحسن اختزال مبدأ الشرعية بنص واحد، ولا حتى تجاهل الأحكام المتعلقة بالتفسير والقياس أو العلاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة الاجرامية، أو المساواة في المعنى بين المحاولة والشروع، وعدم الوضوح في الموقف من الجريمة المستحيلة، وإغفال الاشارة لحكم العدول عن الجريمة ، أو عدم تعريف القصد الجنائي وبيان صوره مع خلو القواعد العامة من صور الخطأ غير العمدي.
وبما يتصل بالمساهمة الجنائية فقد تبين بأن المساهمة التبعية مقتصرة على المساعدة وحسب، وأن المحرض يعد بمنزلة الفاعل الأصلي وأنه يعاقب على سلوكه ولو لم ترتكب الجريمة التي حرض عليها. وإذا كان المشرع قد عالج مسألة الفاعل المعنوي بصورة واضحة وجلية فإن الوقائع المتصلة بموضوعه قد تحرج المعني بالنصوص القانونية.
وعلى قدر تعلق الأمر بأسباب الإباحة أو الأفعال المبررة يفتقر قانون العقوبات إلى قواعد تفصيلية تحدد ماهية تلك الأسباب سواءً ما تعلق منها باستعمال الحق أو أداء الواجب.
أما المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي والتي هي من المستحدثات في قانون العقوبات حيث تم استعراض أوجه تلك المسؤولية وركائزها والجزاءات التي جاء بها المشرع والحصيلة أن هذه القواعد عسيرة التطبيق وتحتاج إلى إعادة نظر في قواعد النظام القانوني لكي يتحقق الانسجام بين تلك القواعد مجتمعة مع ضرورة الموائمة بين مسؤولية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي والأشخاص المكونين له.
تمت بعون الله فله الحمد والشكر.
[1] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الثالثة، الجزائر، دار هومة، 2006، ص08.
[2] - عبد الله أوهايبية، شرح قانون العقوبات القسم العام، ص03.
[3] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، الجزء الأول، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1995، ص05.
[4] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، الجزء الأول، دون طبعة، عين مليلة، الجزائر دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، ص05.
[5] - عبد العظيم مرسي وزير، شرح قانون العقوبات القسم العام، النظرية العامة للجريمة، الجزء الأول، الطبعة الرابعة، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006، ص07.
[6] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، الجزء الأول، دون طبعة، عين مليلة، الجزائر دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، المرجع السابق، ص06
[7] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص08-09.
[8] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع نفسه، ص09.
[9] - محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، القاهرة، دار النهضة العربية، 1977، ص02.
[10] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص10.
[11] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص06.
[12] - أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم العام، الجزء الأول، د ط، القاهرة، دار النهضة العربية، 1981، ص95.
[13] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص07.
[14] - أحمد عوض بلال، محاضرات في النظرية العامة للجريمة، بدون طبعة، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص10
[15]- محمد زكي أبو عامر، قانون العقوبات القسم العام، دون طبعة، بيروت، الدار الجامعية، 1993، ص05
[16] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص10-11.
[17] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص08، و أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص16.
[18] - أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص14
[19] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص11.
[20] - المادتان 590 و 591 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
[21] - المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
[22] - المادة الأولى من الأمر رقم 75-58، المؤرخ في 26 سبتمبر1975 ، المتضمن القانون المدني، ج ر، عدد 78، الصادر في 30 سبتمبر 1975 ، معدل ومتمم .
[23] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص10.
[24] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص12.
[25] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص10.
[26] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص12-13.
[27] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع نفسه، ص13.
[28] - محمد نجيب حسني، شرح قانون العقوبات القسم العام، دار النهضة العربية، 1977، ص06.
[29] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص14.
[30] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص11.
[31] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص14- 15.
[32] - محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص07.
[33] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص15.
[34] - مأمون سلامة، قانون العقوبات القسم العام، دار النهضة العربية، 1979، ص08.
[35] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص15.
[36] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص16-17.
[37] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص16.
[38] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص17.
[39] - سورة المائدة الآية 29.
[40] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق،ص20.
[41] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق،ص22.
[42] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه،ص23.
[43] - عبد الفتاح الصيفي، الجزاء الجنائي، القاهرة، مصر، دار النهضة العربية، 1972، ص21.
[44] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق،ص23.
[45] - أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص15-16.
[46] - أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص17.
[47] - عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص35.
[48] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص38.
[49] - تأسس الاتحاد عام 1889 على أيدي ثلاثة من كبار الجنائيين هم: ليست الألماني، وهامل الهولندي، وبران البلجيكي، وكان لفلاسفته أثرهم البالغ في الفقه والتشريع الجنائيين. نقلاً عن عبد الله سليمان، المرجع السابق، ص39.
[50] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص39.
[51] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص45.
[52] - القانون رقم 15-19 المؤرخ في 30 ديسمبر 2015 المعدل والمتمم للأمر رقم 66-156 المؤرخ في 08 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات، ج ر الصادرة بتاريخ 30 ديسمبر 2015، العدد71، ص03.
[53] - عبود السراج، شرح قانون العقوبات القسم العام، نظرية الجريمة، ج1، د ط، ص29.
[54] - مأمون سلامة، قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص81.
[55] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات وفقاً لأحدث التعديلات بالقانون رقم 23 لسنة 2006، وهران، ديوان المطبوعات الجامعية، 2007، ص04.
[56] - أشرف توفيق شمس الدين، شرح قانون العقوبات القسم العام، طبعة خاصة لطلاب التعليم المفتوح بكلية الحقوق بنها، 2009، ص05.
[58] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص49.
[59] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص25.
[60] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص05.
[61] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص25.
[62] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص50.
[63] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه، ص50.
[64] - من التشريعات من تبنت التقسيم الثنائي للجرائم كقانون العقوبات الإيطالي الصادر سنة 1930، حيث قسم الجرائم في ظله إلى جنح ومخالفات. نقلاً عن باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص10.
[65] - المادة 05 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84.
[66] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص30-31.
[67] - هذا التقسيم اعتمده الدكتور أحسن بوسقيعة، أنظر مؤلفه، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص32.
[68] - الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84.
[69] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص61.
[70] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص57.
[71] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص69.
[72] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه، ص71.
[73] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه، ص71.
[74] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات،المرجع السابق، ص82.
[75] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص96.
[76] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص97.
[77] - باسم شهاب، مبادئ القانون العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص88. وعبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص129.
[78] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص132.
[79] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص133.
[80] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص98.
[81] - محمد نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني القسم العام، بيروت لبنان، 1975، ص284.
[82] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص300.
[83] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام،المرجع السابق، ص303.
[84] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص105.
[85] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص97.
[86] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص107.
[87] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص148.
[88] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص100
[89] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص118.
[90] - أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص119.
[91] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص222.
[92] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه، ص219.
[93] - أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص120.
[94] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص120 وما بعدها.
[95] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص121.
[96] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع نفسه، ص121.
[97] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص124.
[98] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق،ص225.
[99] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه،ص229.
[100] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص128.
[101] - رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام، القاهرة، مصر، دار الفكر العربي، 1966، ص271، و معوض عبد التواب، الوجيز في شرح جرائم القتل والإصابة الخطأ، القاهرة، مصر، د د ن، 1984، ص17.
[102] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص131.
[103] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام،المرجع السابق، ص95.
[104] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص135.
[105] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجعالسابق، ص168.
[106] - المادة 39 و40 من قانون العقوبات الجزائري.
[107] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام،المرجع السابق، ص99.
[108] - باسم شهاب، مبادئ القسم العام لقانون العقوبات، المرجع السابق، ص193.
[109] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص142.
[110] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص143.
[111] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص110.
[112] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص145.
[113] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص116.
[114] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص153.
[115] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع نفسه، ص157 وما بعدها.
[116] - هناك المساهمة الجنائية وهناك المساهمة الضرورية التي يتطلبها القانون لقيام بعض الجرائم، كما في جرائم الزنا والرشوة، فالتعدد في هذه الجرائم تعدد مطلوب توافره لاكتمال النموذج التشريعي للجريمة، فطبيعة الجريمة في المساهمة الضرورية تقتضي تعدد الأشخاص؛ إذ لا يستطيع أن يقترفها شخص واحد، في حين أن طبيعة الجريمة في المساهمة الجنائية تقبل أن يرتكبها شخص واحد أو عدة أشخاص. عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص156.
[117] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه، ص157.
[118] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص173.
[119] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص173.
[120] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع نفسه، ص174.
[121] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص177.
[122] - أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص171.
[123] - عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، المرجع السابق، ص184.
[124]- د: نور الدين هنداوي، السياسة التشريعية والإدارة التنفيذية لحمية البيئة، المؤتمر العلمي الأول للقانونيين المصريين، فبراير 1992 عن الحماية القانونية للبيئة في مصر، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، مجموعة أعمال المؤتمر، القاهرة، 1992، ص87.
[125]- د: عبد الله سليمان، النظرية العامة للتدابير الاحترازية دراسة مقارنة، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1990، ص63.
[126]- د: محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات القسم العام، الطبعة العشرة، القاهرة مصر، دار النهضة العربية، 1983، ص555.
[127]- د: محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص689.
[128]- المادة 05 من الأمر رقم 66-156 والمتضمن قانون العقوبات، المرجع السابق.
[129]- المادة 05 من الأمر رقم 66-156 والمتضمن قانون العقوبات، المرجع السابق.
[130]- المادة 04 من الأمر رقم 66-155 المتضمن قانون العقوبات، المرجع السابق.
[131]- CHOUKRI KALFAT, la mort en droit pénal spécial Algérien, universités de Tlemcen, Algérien, 1994, p10.
[132]- المادة 87 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 04-01 المؤرخ في 04 فبراير 2014، ج ر العدد 07، ص05.
[133]- المادة 87 مكرر1 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد 84، ص20.
[134]- ويناس يحي، الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر، ( رسالة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، 2007)، ص337.
[135]- د: أحمد شوقي أبو خطوة، شرح الأحكام العامة لقانون العقوبات لدولة الإمارات العربية المتحدة، الجزء الأول، القاهرة مصر، دار النهضة العربية، 1979، ص576.
[136]- المادة 05 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المرجع السابق.
[137]- المادة 87 مكرر1 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص20.
[138]- المادة 87 مكرر2 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 95-11 المؤرخ في 25 فبراير 1995، ج ر العدد11، ص08.
[139]- المادة 05 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص12
[140]- د: محمود نجيب حسني، علاقة السببية في قانون العقوبات، القاهرة مصر، دار النهضة العربية، 1983، ص727.
[141]- د: الجيلالي عبد السلام أرحمونة، حماية البيئة بالقانون، ليبيا، دار الجماهرية، 2000، ص295.
[142]- د:ميرفت محمد البارودي، المسؤولية الجنائية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ( رسالة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة القاهرة، 1993)، ص467.
[143]- د: سليمان عبد المنعم، أصول علم الجزاء الجنائي، الأسكنذرية مصر، دار الجامعة الجديدة، 2001، ص99 وما بعدها.
[144]- المادة 05 مكرر1 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 09-01 المؤرخ في 25 فبراير 2009، ج ر العدد15، ص03.
[145]- عبد اللاوي جواد، المرجع السابق، ص317.
[146]- سعداوي محمد صغير، السياسة الجزائية لمكافحة الجريمة دراسة مقارنة بين التشريع الجنائي الدولي والشريعة الإسلامية، جامعة تلمسان، الجزائر، 2010، ص133.
[147]- د: يسر أنور علي، ( النظرية العامة للتدابير والخطورة الإجرامية)، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية كلية الحقوق جامعة عين شمس، يناير 1971، العدد الأول، ص1.
[148]- د: أحمد شوقي عمر أبو خطوة، المرجع السابق، ص827.
[149]- د: أحمد شوقي عمر أبو خطوة، المرجع نفسه، ص831.
[150]- عبد اللاوي جواد، المرجع السابق، ص313.
[151]- المادة 09 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص12.
[152]- المادة 09 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص12.
[153]- عبد اللاوي الجواد، المرجع السابق، ص313.
[154]- المادة 09 مكرر1 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص12.
[155]ـ نور الدين حشمة، المرجع السابق، ص187.
[156]ـ المادة 11 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[157]- المادة 12 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[158]- المادة 13 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[159]- محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص791.
[160]- المادة 15 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[161]- د: مأمون سلامة، قانون العقوبات القسم العام، الطبعة الثالثة، القاهرة مصر، دار الفكر العربي، 1990، ص681.
[162]- عبد اللاوي جواد، المرجع السابق، ص315.
[163]- المادة 15 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[164]- المادة 15مكرر 1 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[165]- المادة 15مكرر 2 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص13.
[166]- د: أحمد شوقي أبو خطوة، المساواة في القانون الجنائي دراسة مقارنة، القاهرة مصر، دار النهضة العربية، 1998، ص698.
[167]- المادة 16مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[168]- المادة 16مكرر 1 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[169]- المادة 16مكرر 2 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[170]- المادة 16مكرر 3 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[171]- المادة 16مكرر 4 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[172]- المادة 16مكرر 5 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[173]- المادة 18 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[174]- د: أحمد شوقي عمر أبو خطوة، المرجع السابق، ص827.
[175]- عبد اللاوي جواد، المرجع السابق، ص319.
[176]- المادة 04 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص12.
[177]- د: عبد الله سليمان، النظرية العامة للتدابير الاحترازية، المرجع السابق، ص60.
[178]-VAN REMOORTERE, la responsabilité pénale des personnes morales en droit de l’environnement , Rev .de droit pénal criminel , Avril , 1991, p4 .
[179]- د: مأمون سلامة، قانون العقوبات القسم العام، الطبعة الثالثة، القاهرة مصر، دار الفكر العربي، 1990، ص681.
[180]- د: سليمان عبد المنعم، النظرية العامة لقانون العقوبات دراسة مقارنة، بيروت لبنان، منشورات الحلبي الحقوقية، 2003، ص754.
[181]- د: سليمان عبد المنعم، المرجع نفسه، ص777.
[182]- د: عمر سالم، المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية وفقاً لقانون العقوبات الفرنسي الجديد، الطبعة الأولى، القاهرة مصر، دار النهضة العربية، 1995، ص70.
[183]- المادة 16 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص14.
[184]- المادة 20 من القانون رقم 03-09 المتضمن قمع جرائم مخالفة أحكام اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة، المرجع السابق.
[185]- المادة 21 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[186]- د: عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام دراسة مقارنة، عين مليلة الجزائر، دار الهدى، 2013، 201.
[187]- المادة 21 الفقرة03 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المرجع السابق، ص15.
[188]- د: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الثالثة، الجزائر، دار هومة، 2006، ص270.
[189]- المادة 22 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المرجع السابق، ص15.
[190]- د: عبد الرحمن خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام دراسة مقارنة، المرجع السابق، ص201.
[191]- القانون رقم 01-14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها، المؤرخ في 19 غشت 2001.
[192]- المواد 110، 111، 113 من القانون رقم 01-14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها، المرجع السابق.
[193]- المادة 83و 98 من القانون رقم 01-04 المتعلق بتنظيم حركة المرور، المعدل والمتمم بالأمر رقم 09-03 المؤرخ في 22 يوليو 2009، ج ر الصادرة بتاريخ 29 يوليو 2009، العدد45، ص11.
[194]- د: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الثالثة، الجزائر، دار هومة، 2006، ص277.
[195]- مدين آمال، المرجع السابق، ص202.
[196]- الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، ج ر الصادرة بتاريخ 10 نوفمبر 2004، العدد71.
[197]- المادة 18 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، ج ر الصادرة بتاريخ 10 نوفمبر 2004، العدد71، ص08.
[198]- نصت المادة 88 من القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة على أنه:"...يجوز للجهة القضائية المختصة أن تأمر في كل وقت برفع الإيقاف إذا تم دفع كفالة تحدد مبلغها وكيفيات تسديدها هذه الجهة القضائية."
[199]- المادة 65 مكرر4 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، ج ر الصادرة بتاريخ 10 نوفمبر 2004، العدد71، ص06.
[200]- المادة 602 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004، ج ر الصادرة بتاريخ 10 نوفمبر 2004، العدد71، ص07. وقد حددت المادة 602 مقدار الغرامة التهديدية كالآتي:
- من يومين إلى عشرة أيام إذا لم يتجاوز مقدار الغرامة أو الأحكام المالية الأخرى 5000دج.
- من عشرة أيام إلى عشرين يوماً إذا كان مقدارها يزيد عن 5000دج، ولا يتجاوز 10000دج.
- من من عشرين إلى ستين يوماً إذا زاد على 10000دج، ولم يتجاوز 15000دج.
- من شهرين إلى أربعة أشهر إذا زاد على 15000دج، ولم يتجاوز 20000دج.
- من أربعة إلى ثمانية أشهر إذا زاد على 20000دج، ولم يتجاوز 100000دج.
- من ثمانية أشهر إلى سنة واحدة إذا زاد على 100000دج، ولم يتجاوز 500000دج.
- من سنة واحدة إلى سنتين إذا زاد على 500000دج، ولم يتجاوز 3000000دج.
- من سنتين إلى خمس سنوات إذا زاد على 3000000دج.
[201]- د: عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام، الجزء الثاني، الطبعة الخامسة، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 2007، ص407.
[202]- بلعسلي ويزة، المرجع السابق، ص262.
[203]- بلعسلي ويزة، المرجع نفسه، ص263.
[204]- مدين آمال، المرجع السابق، ص211.
[205]- دريس سهام، المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية عن تبييض الأموال، ( مذكرة ماجستير، كلية الحقوق جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2011)، ص59.
[206]- رنا إبراهيم سليمان العطور، المرجع السابق، ص372.
[207]- المادة 18مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[208]- المادة 18مكرر2 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[209]- أحمد محمد قائد مقبل، المرجع السابق، ص406.
[210]- مدين آمال، المرجع السابق، ص211.
[211]- المادة 18مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[212]- المادة 17 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات.
[213]- د: عمر سالم، المرجع السابق، ص71و 72.
[214]- محمد محدة،( المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي)، مجلة الفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد الأول، مارس2006، ص53.
[215]- حسونة عبد الغني، المرجع السابق، ص126.
[216]- د: بودالي محمد، شرح جرائم الغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية والطبية، القاهرة مصر، دار الفجر للنشر والتوزيع، 2005، ص88.
[217]- المادة 85 من القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، المرجع السابق، ص19.
[218]- لقمان بامون، المرجع السابق، ص147.
[219]- المادة 48 الفقرة2 من القانون رقم 01-14 المتعلق بتسيير النفايات وإزالتها ومراقبتها.
[220]- المادة 18 من القانون رقم 03-09 المتضمن قمع جرائم مخالفة أحكام اتفاقية حظر استحداث وانتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة، المرجع السابق، ص05.
[221]- القانون رقم 09-02 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش، المرجع السابق.
[222]- المادة 48 الفقرة2 من القانون رقم 01-14 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها.
[223]- المرسوم الرئاسي رقم 10-236 المتضمن قانون الصفقات العمومية، المؤرخ في 17 أكتوبر 2010، ج ر الصادرة بتاريخ 07 أكتوبر 2010، العدد58.
[224]- عمر سالم، المرجع السابق، ص78.
[225]- المادة 18 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[226]- مزاولي محمد، ( المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية عن جرائم البيئة) ملتقى وطني ثاني للبيئة وحقوق الإنسان، المركز الجامعي الوادي، جانفي 2009.
[227]- المادة 18 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[228]- بلعسلي ويزة، المرجع السابق، ص311.
[229]- المادة 18 مكرر من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[230]- بلعسلي ويزة، المرجع السابق، ص327.
[231]- نور الدين حشمة، المرجع السابق، ص189.
[232]- حسونة عبد الغني، المرجع السابق، ص128.
[233]- أحمد محمد قائد مقبل، المرجع السابق، ص428.
[234]- المادة 18 من الأمر رقم 66-156 المتضمن قانون العقوبات، المعدل والمتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006، ج ر العدد84، ص15.
[235]- بلعسلي ويزة، المرجع السابق، ص335.
[236]- ويناس يحي، المرجع السابق، ص359.
[237]- د: عبد الله سليمان، شرح قانون العقوبات القسم العام، الجزء الثاني، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1995، ص581.
[238]- رامي يوسف محمد ناصر، المرجع السابق، ص86.
[239]- عبد اللاوي جواد، المرجع السابق، ص325
[240]- د: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص343و 344.
[241]- د: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع نفسه، ص349.
[242]- عبد اللاوي جواد، المرجع السابق، ص325.
[243]- المادة 05 من القانون رقم 05-12 المتعلق بالمياه، المرجع السابق، ص05.
[244]- المادة 166 من القانون رقم 05-12 المتعلق بالمياه، المرجع السابق، ص19.
[245]- نعوم مراد، الحماية القانونية للبيئة في القانون الوضعي والفقه الإسلامي، ( رسالة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية جامعة وهران، 2012)، 518.
[246]- د: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع السابق، ص135.
[247]- د: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، المرجع نفسه، ص135.
[248]- د: عبد الرحمن خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام دراسة مقارنة، عين مليلة الجزائر، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، 2013، ص176.
[249]- د: رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، الأسكنذرية مصر، منشأة المعارف، 1995، ص963.
[250]- د: فتوح الشاذلي، المسؤولية الجنائية، بيروت لبنان، دار المطبوعات الجامعية، 2001، ص172.
- Teacher: Abdelrahmane Barkaoui