يقيد القاضي عند فصله في أي نزاع بالرجوع لمصادر القانون بالترتيب المنصوص عليه في المادة 01 من القانون المدني و التي تنص:" يسري القانون على جميع المسال التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها.

و إذا لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مباد الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف.

فإذا لم يوجد فبمقتضى مباد القانون الطبيعي وقواعد العدالة".

و عليه تنقسم مصادر القانون إلى مصادر رسمية ومصادر غير رسمية.

أولا: المصادر الرسمية

تنقسم هي أيضا إلى مصادر رسمية أصلية و مصادر رسمية احتياطية

أ- التشريع كمصدر رسمي أصلي للقانون:

1- تعريفه: يقصد بالتشريع هو وضع القواعد القانونية المكتوبة بواسطة السلطة العامة المختصة بذلك في الدولة .

2- أنواع التشريع:

هناك تفاوت في درجات التشريع ، فأعلاها درجة هو التشريع الأساسي ، ثم التشريع العضوي، ثم العادي، وأخيرا التشريع الفرعي، و يترتب على هذا التدرج التشريع هو أن التشريع الأقل درجة يجب أن لا يعدل أو يخالف التشريع الأعلى منه درجة.

* التشريع الأساسي ( الدستور):

هو التشريع الذي يضع أساس الدولة ونظام الحكم و كذا السلطات العامة في الدولة واختصاص كل منها، و الحقوق و الواجبات والحريات.

- طرق وضع الدساتير:

أ- الطرق غير الديمقراطية لوضع الدساتير: فهي تكون إما عن طريق منحة من طرف صاحب السلطة في الدولة فيتنازل عن بعض سلطاته لصالح رعاياه، وقد يكون عن طريق العقد بين الحاكم وممثلي الشعب الذين يختارهم الملك، كلاهما طرق غير ديمقراطية لكونهما لا توجد مشاركة شعبية في الحكم.

ب- الطرق الديمقراطية لوضع الدساتير:

1- إعداد الدستور من قبل هيئة غير منتخبة وطرحه على الاستفتاء.

2- إعداد مشروع الدستور من قبل هيئة منتخبة دون عرضه على الاستفتاء الشعبي.

3- إعداد مشروع الدستور من قبل هيئة تأسيسة منتخبة مع عرضه على الاستفتاء الشعبي.

3- كيفية تعديل الدستور:

هناك نوعان من الدستور مرن وجامد ، فتعديل الدستور المرن يكون بنفس الكيفية و الإجراءات التي يعدل بها التشريع العادي و من نفس السلطة أي التشريعية، فلا فرق بين الدستور و التشريع العادي، أما بالنسبة للدستور الجامد فلا يمكن تعديله إلى بولسطة هيئة خاصة ليست المختصة بوضع التشريع العادي و بإجراءات مخالفة ، و قواعد الدستور الجامد أعلى من التشريع العادي لذلك لا يمكن للتشريع العادي أن يعدل أو يخالف الدستور.

 

 

* التشريع العضوي و العادي

هما مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة المتمثلة في السلطة التشريعية في حدود اختصاصها المبين في الدستور ، ولقد حدد المشرع الجزائري في المادة 139 من الدستور 2020 المجالات التي يشرع فيها البرلمان تشريعات عادية وهي 30 مجال، كما حددت المادة 140 منه المجالات التي يشرع فيها الرلمان بتشريعات عضوية.

و يختلف التشريع العضوي عن العادي في عدة نقاط:

- التشريع العضوي عبارة عن إجراء تشريعي لتكملة قواعد الدستور و إدخالها حيز التنفيذ.

- يخضع وضع التشريع العضوي لنفس المراحل التي يخضع لها التشريع العادي ، إلا أن التشريع العضوي مرحلة أخيرة وهي مرحلة رقابة مطابقة النص مع الدستور من طرف المجلس الدستوري، و هذا ما نصت عليه المادة 140 من دستور 2020 في فقرتها الأخيرة.

- المجالات التي يشرع فيه البرلمان بتشريعات عادية، أوسع من تلك التي يشرع فيها بتشريعات عضوية.

**** الحالات الإستثناية التي تحل فيها السلطة التنفيذية محل السلطة التشريعة في وضع التشريع العادي و العضوي*******

1- حالة الضرورة: نصت عليها المادة 142 من دستور 2020 حيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في مسائل عاجلة و ذلك بتور الشروط:

- أن تكون هناك حالة عاجلة تستدعي تدخل لرئيس الجمهورية ، و تقدير وجود أو عدم وجوده تعود إلى رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الدولة.

- حدوث حالة الضرورة أثناء غياب السلطة التشريعية، ويكون هذا إما في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو خلال العطل البرلمانية.

- يخطر ريس الجمهورية وجوبا المحكمة الدستورية بشأن دستورية هذه الأوامر، على أن تفصل فيها في أجل أقصاه 10 أيام.

- أن يعرض رئيس الجمهورية الأوامر التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في بداية الدورة القادمة للموافقة عليها ، وفي حالة الرفض يصبح الأمر لاغيا.

2- حالة التفويض: هو ذلك التشريع الذي يسنه رئيس الجمهورية لمواجهة ظروف معينة بناء على تفويض من السلطة التشريعية، فهناك بعض التشريعات التي تستدعي الدقة و السرعة في صياغتها مثل التشريعات المتعلقة بالضرائب حيث تستدعي المصلحة الوطنية كتمان مضمونها قبل الاعلان عنها لمنع التهرب منها.

و يختلف تشريع التفويض عن تشريع الضرورة في بعض النقاط نذكر منها:

- يصدر رئيس الجمهورية تشريع التفويض و السلطة التشريعية موجودة، أما في تشريع الضرورة فالسلطة التشريعية تكون غائبة .

-تقدير حالة التفويض تعود للسلطة التشريعية، أما في تشريع الضرورة فهذه السلطة تعود لرئيس الجمهورية.

3- الحالة الاستثنائية: نصت عليها  المادة 142 من دستور 2020 على ما يلي: " يمكن رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحالة الإستثنائية المذكورة في المادة 98 من الدستور. تتخذ الأوامر في مجلس الوزراء".

الحالة الاستثنائية هي وجود خطر داهم يوشك أن يصيب المؤسسات الدستورية أو سلامة التراب الوطني وسلطة تقدير وجود هذه الحالة تعود لرئيس الجمهورية في مدة أقصاها 60 يوما .

لا يتخذ رئيس الجمهورية إلا بعد وجوب استشارة كل من : رئيس مجلس الأمة ، و رئيس م.ش.و ، و رئيس المحكمة الدستورية، والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء، ثم يوجه رئيس الجمهورية خطاب للأمة، ثم يجتمع البرلمان وجوبا.

- الحالة الاستعجالية: حسب المادة146 من الدستور ، فالبرلمان يصادق على قانون المالية فيمدة أقصاها 75 يوم من تاريخ إيداعه، وفي حالة عدم المصادقة عليه يتدخل رئيس الجمهورية ليصدره بموجب أمر.

***** مراحل وضع التشريع العادي و العضوي*******

1- مرحلة المبادرة: حسب المادة 143 من الدستور يحق لكل من الوزير الأول، و النواب و أعضاء مجلس الأمة ، اقتراح أو المبادرة بالقوانين، و المبادرة بالتشريع تسمى مشروع تشريع إذا قدمت من طرف الوزير الأول، أما إذا كانت من النواب أو أعضاء مجلس الأمة فتسمى بإقتراح تشريع.

2- مرحلة الفحص: بعد الاقتراح تأتي مرحلة فحص محتوى المشروع أمام لجنة مختصة تابعة للمجلس الشعبي الوطني، وتقدم تقرير عما إذا كان هذا المشروع صالحا ، ما عدا القوانين المتعلقة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم و التقسيم الإقليمي تعرض لدى مكتب مجلس الأمة.

3- مرحلة المناقشة: نصت على ذلك المادة 145 من الدستور ، بحيث يجب أن يكون كل مشروع موضوع المناقشة من طرف المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على التوالي حتى تتم المصادقة عليه.

و في حالة وجود خلاف بين الغرفتين، يتدخل الوزير الأول ويطلب اجتماع لجنة متساوية الأعضاء من كلتا الغرفتين في مدة 15يوم ، و تنهي مهامها في مدة 15 يوم ثم يعرض على الغرفتين للمصادقة عليه، و في حالة استمرار الخلاف يمكن للحكومة أن تطلب من م.ش.و الفصل نهائيا.

4- عدم اعتراض رئيس الجمهورية: حسب المادة 149 من الدستور يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب قراءة ثانية في قانون تم التصويت عليه في غضون 30 يوما الموالية لتاريخ المصادقة عليه ، و في هذه الحالة لا يتم المصادقة على القانون إلا بأغلبية 2/3 أعضاء المجلس الشعبي الوطني و أعضاء مجلس الأمة.

5- مرحلة نفاذ القانون: وهي تكون بالإصدار و النشر من طرف رئيس الجمهورية ، و الإصدار يقصد به وضع التشريع موضع التنفيذ بتكليف السلطة التنفيذية بتنفيذه، و سلطة الإصدار تثبت لرئيس الجمهورية الذي يصدره بمرسوم يسمى مرسوم الإصدار و هذا خلال 30 يوم من تاريخ تسليمه إياه، أما النشر فهو وسيلة لإعلام الناس بالقانون و وسيلة النشر تتم عن طريق الجريدة الرسمية حسب المادة 04 من القانون المدني.

* التشريع الفرعي ( اللوائح):

يسمى أيضا بالتنظيمات و هي مجموعة النصوص القانونية التي تختص السلطة التنفيذية بوضعها في الحدود التي خولها إياها الدستور، و السلطة المختصة بوضع هذه التنظيمات هم ريس الجمهورية، الوزير الأول اللذان لهما سلطة تنظيمية عامة، الوزراء الذين تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في اختصاص كل منهم ، يضاف إلى هؤلاء سلطات إدارية أخرى مثل: الولاة ، رؤساء البلديات ، رؤساء المصالح التي خولت لها سلطة تنظيمية محدودة بموجب تفويض تشريعي.

*****أنواع اللوائح*****

1- اللوائح التنفيذية: هي القواعد التفصيلية التي تضعها السلطة التنفيذية لتنفيذ التشريع الصادر عن السلطة التشريعية، ويجب أن لا تتضمن هذه اللوائح أي تعديل و إلغاء لقواعد التشريع.

2- اللوائح التنظيمية: هي القواعد اللازمة التي تضعها السلطة التنفيذية تنظيما لمرافقها و المرافق العامة في الدولة كونها هي التي تقوم بإدارتها، هنا السلطة التنفيذية لا تتقيد بأي تشريع صادر عن السلطة التشريعية، بل تكون مستقلة.

3- اللوائح الضبط ( البوليس): هي قواعد للمحافظة على الأمن و السكينة العامة، والصحة العامة مثل: اللوائح المنظمة للمرور، اللوائح المنظمة للمحلات و مراقبة الأغذية و منع انتشار الأوبئة....الخ.

 

 

ب- المصادر الرسمية الاحتياطية:

بالرجوع إلى الفقرة الثانية و الثالثة من المادة الأولى من القانون المدني، نستنتج أن المصادر الاحتياطية هي الشريعة الإسلامية ثم العرف ثم القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

1/ الشريعة الإسلامية: و هي ما شرع الله سبحانه وتعالى لعباده من أحكام على لسان رسوله عليه الصلاة و السلام، سواء أكان بالقرآن أو بسنة رسوله من قول أو فعل أو تقرير، ومن مصادره هي الكتاب المتمثل في القرآن ، و السنة و الإجماع، والقياس.

ومن النتائج المترتبة على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر رسمي احتياطي :

- هو أنه لا يرجع القاضي لأحكام الشريعة إلا إذا لم يجد نص تشريعي يمكن تطبيقه

- لا يجوز للقاضي أن يأخذ حكم مخالف للقانون

- على القاضي البحث عن الحل في كل المذاهب ، ولا يقتصر فقط على مذهب واحد.

2- العرف:

يقصد به اعتياد الأشخاص على اتباع سلوك معين بحيث يستقر الشعور لدى الجماعة بإلزاميته ، و من خلال هذا التعريف نستنتج وجود ركنين في هذا العرف وهما الركن المادي و الركن المعنوي.

أ/ الركن المادي: هو تكرار الناس لسلوك معين ، لذلك يجب أن تكون قديمة أي مضت على ظهورها مدة تكفي لإستقرارها ،  وغير  منقطعة أو أن لا تكون مخالفة للنظام العام و الآداب العامة.

ب/ الركن المعنوي: هو شعور الناس بأن العرف ملزم، و هو عنصر داخلي نفسي.

 

 

3- مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة:

إن تعريف مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة له أهمية كبيرة خاصة عند تطبيقها ، و قد فسرها الفقهاء على أه يوجد قانون أسمى من القوانين الوضعية يعتبر أساسا لها، فهو عبارة عن قواعد عامة و أبدية ثابتة صالحة لكل زمان ومكان، لأنها تصدر عن طبيعة الحياة، و أن الإنسان يكشف عنها بعقله، و في الواقع العملي الجزائري وجد القاضي نفسه في حيرة لكون المشرع الجزائري لم يعرف هذه المبادئ ولم يحددها لذلك على القاضي الجزائري ربط هذه المبادئ بالمثل العليا للمجتمع الجزائري.

ثانيا: المصادر غير الرسمية ( التفسيرية)

أ/ الفقه:

يقصد به مجموعة الأعمال التي أنتجها رجال القانون على شكل آراء و شرح وتعليقات وبحوث قانونية ، فهو يعتبر مصدر تفسبري يساعد القاضي على الفصل في النزاعات.

ب/ القضاء:

هو مجموعة المبادئ القانونية المستخلصة من أحكام المحاكم، ومجموعة الأعمال القضائية الصادرة عن الجهاز القضائي ، و في الجزائر يعتبر القضاء مصدر تفسيري للقاضي غير ملزم بعكس الدول الأنجلوسكسونية التي تعتبر القضاء مصدر رسمي يجب على القاضي الأخذ به و هو ما يسمى بنظام السوابق القضائية.